إلى من يذرفون دموع التماسيح على صنعاء، دعونا نعود قليلًا إلى الوراء.

لا يكاد يمرّ يوم دون أن نسمع خطابات مشبعة بالحنين إلى صنعاء من أُولئك الذين يذرفون دموع التماسيح على ما يصفونه بالوضع الأمني والمعيشي المأساوي، متناسين — أَو متجاهلين عمدًا — أن صنعاء لم تكن يومًا مدينة فاضلة في عهد من يتباكون عليها اليوم.

دعونا نرجع بالذاكرة إلى ما قبل عام 2014، لنستعرض بعض الحقائق التي عشناها جميعًا وعاشها أبناء العاصمة صنعاء، تلك المدينة التي تحولت إلى كنتونات متناحرة ومقسومة فعليًّا بين ما كان يسمى بـ (الجيش الحر) الذي نصب متارسه في جولة كنتاكي، وبين ما كان يُعرف (بالجيش العائلي) الذي بسط نفوذه على بقية الأمانة، ولا تزال آثار الرصاص إلى اليوم شاهدة لمن لم تُثقب ذاكرته بعد، ومن أراد التحقّق فليتفضل بزيارة تلك الأماكن، فهي لم تُمحَ بعد من الجدران ولا من الذاكرة.

نحن أبناء ذلك الجيل الذي عاش تلك اللحظات الثقيلة، ومن يشكك فليعد إلى تصريحات عبد ربه منصور هادي، الرجل الذي كان جزءًا من النظام السابق ثم تصدّر المشهد بعده. لقد قالها بوضوح: استلمتُ دولة خالية من الأمن، تعاني من انهيار اقتصادي، ولا تملك مقومات الاستقرار، وَأَضَـافَ أن البنك المركزي كان شبه فارغ، ولا توجد فيه أموال لصرف المرتبات، والفيديو لا يزال موثقًا لمن أراد التيقن.

فهل نسي أُولئك الذين يتباكون على صنعاء أنهم يتحدثون عن بلد كان منهوبًا، مفلسًا، فاقدًا للسيادة؟ أم أنهم يراهنون فقط على نسيان الناس؟

أما من يتحدثون اليوم عن الأمان السابق في صنعاء، فهم يتغافلون عمدًا عن التفجيرات الدموية التي هزت العاصمة، كحادثة تفجير مسجدي الحشحوش وبدر، والهجوم على العرض العسكري في السبعين، ومجزرة مستشفى العرضي، وسقوط الطائرات الحربية فوق الأحياء السكنية في الحصبة والدائري.

هل نسي هؤلاء أن الجندي كان لا يجرؤ على ارتداء بزّته العسكرية خارج المعسكر، وإن أراد الخروج خلعها وخبّأها في كيس؛ خوفًا من الاغتيال على يد جماعات تكفيرية كانت تحظى برعاية النظام نفسه؟

هل هذه هي المدينة الآمنة التي يروجون لها؟ وهل يُعقل أن ننسى كُـلّ ذلك؟

أما عن نهب المال العام فحدّث ولا حرج؛ كان البنك المركزي يُدار وكأنه دكان شخصي أَو هيئة تموين يمكن التصرف فيها بالهاتف، وبلا حسيب أَو رقيب.

حتى صادق الأحمر، الذي كان يُوصف (برمز الثورة)، استولى على أحياء بكاملها، وأحرق مؤسّسات سيادية في ساعات معدودة، شملت وزارة الداخلية، ووزارة الصحة، واللجنة الدائمة، والإدارة المحلية.

ومن أراد شهادة أُخرى، فليستمع إلى ما قاله هادي نفسه في كلمة متلفزة، أَو ليطّلع على تقرير الأمم المتحدة الذي أكّـد أن علي عبد الله صالح نهب 64 مليار دولار من أموال الشعب، وهو مبلغ يكفي لبناء بنية تحتية حديثة لدولة مثل اليمن.

وإذا أردنا الحديث عن الاقتصاد، فلا يمكن تجاهل الحقيقة.. صالح استلم الحكم بعد أن تآمر مع الغشمي على الرئيس الحمدي، وكان الدولار يساوي أربعة ريالات، وعندما غادر، كان قد وصل إلى 265 ريالًا؛ فأي ازدهار يتحدثون عنه؟ وأي ماضٍ جميل يحنّون إليه؟

في النهاية، المطلوب من الناس ليس سوى أن يتذكروا، فمن لا يتعلم من التاريخ سينخدع بالحنين، ومن يذرف دموع التماسيح على صنعاء ما قبل 2014، عليه أن يراجع دفاتر الفوضى والفساد التي كُتبت تحت أعينهم، وبمباركتهم الدائمة.