اختلفت نظرة العالم إلى اليمن. فبعد أن كان يُختزَلُ في الفقر والتخلُّف والحروب الداخلية، صار اليوم يُذكَر؛ باعتبَاره نموذجًا لصمود استثنائي.
في تاريخ الأمم محطاتٌ فاصلة، تُعِيدُ صياغةَ الواقع وتفتحُ أبوابَ المستقبل. وثورة الـ21 من سبتمبر واحدة من تلك اللحظات التاريخية التي لم تقتصر على تغيير مشهد داخلي فحسب، بل تجاوزت أثرَها لتضع اليمن في موقع مغاير تمامًا على المستويَّين الإقليمي والدولي.
لقد جاءت الثورةُ لتكسر القيود الثقيلة التي كبّلت القرار اليمني لعقود طويلة، وتعيد للشعب حقه الطبيعي في السيادة والكرامة. لم يعد البلد رهينة السفارات الأجنبية، ولم تعد الوصاية هي المرجع في تعيين الوزراء أَو توجيه السياسات. فقد تشكلت حكومة يمنية بقرار وطني خالص، بعيدًا عن إملاءات الخارج، في سابقة لم يعرفها اليمن منذ عقود.
على الصعيد العسكري، أعادت الثورة الاعتبار للمؤسّسة الوطنية، فواجه الجيش التحديات الكبرى، وردع اعتداءات إقليمية ودولية لم يكن أحد يتصور أن اليمن قادر على التصدي لها. من استهداف المنشآت الحيوية في العمق السعوديّ، إلى مواجهة الأساطيل في البحر، وحتى الوصول إلى قصف الكيان الصهيوني بالصواريخ والطائرات المسيرة، جميعها شواهد على تحوّل اليمن من بلد محاصر إلى قوة فاعلة ومؤثرة.
ولم يتوقف الأمر عند حدود المعركة العسكرية، بل شمل إعادة صياغة أولويات داخلية مهمة: إغلاق بؤر التطرف والإرهاب التي صدّرت الموت لسنوات، التوجّـه نحو الاكتفاء الذاتي الزراعي، والانخراط في مسار تصنيع السلاح محليًّا. كلها خطوات عززت من استقلال القرار الوطني، ومنعت تكرار دورات الفوضى التي عانى منها اليمن طويلًا.
أما فلسطين، فقد وجدت في اليمن سندًا لم تجده في كثير من العواصم. فصوت اليمن ارتفع، حَيثُ خفتت أصوات أُخرى، وصواريخه ومسيّراته وصلت إلى حَيثُ لا يتوقع أحد، لتؤكّـد أن البعد القومي والإنساني حاضر في وجدان الشعب اليمني.
لقد اختلفت نظرة العالم إلى اليمن. فبعد أن كان يُختزل في الفقر والتخلف والحروب الداخلية، صار اليوم يُذكر؛ باعتبَاره نموذجًا لصمود استثنائي، وبلدًا يفرض معادلاته على من كانوا يهيمنون عليه. وهذه الصورة الجديدة لم تأت من فراغ، بل من ثورة آمنت بحقها في الحياة الحرة، ودافعت عنه بصلابة نادرة.
إن ثورة 21 سبتمبر ليست مُجَـرّد ذكرى سنوية، بل مدرسة متجددة في الإيمان بقدرة الشعوب على صناعة التغيير، ودرسًا عمليًّا في أن الإرادَة الوطنية قادرة على كسر أكبر التحديات. هي لحظة تاريخية لم تغلق فصولها بعد، وستظل آثارها ممتدة ما دام اليمنيون متمسكين بقيمها ومبادئها.