عمليات حزب الله العسكرية تغيّر المعادلات
موقع أنصار الله. تقرير| يحيى الربيعي
منذ ساعات الفجر الأولى، بدأ أهالي جنوب لبنان بالعودة إلى بلداتهم وقراهم ومدنهم، وشهد الطريق الواصل بين العاصمة بيروت ومدينة صيدا وصولًا إلى الجنوب ضغط سير بسبب توافد النازحين العائدين. رغم مرور أكثر من شهرين على بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، والدمار الواسع وغير المسبوق الذي سببته آلة القتل الإسرائيلية، عاد الأهالي رافعين علامة النصر والصمود، مزينين سياراتهم بصور الشهداء الذين قضوا بصواريخ وقذائف العدو الإسرائيلي.
أهالي الضاحية توفدوا إلى شوارعها لتفقد منازلهم وممتلكاتهم، خصوصًا بعدما شهدت الضاحية موجة غارات إسرائيلية ليل الثلاثاء الأربعاء قبيل وقف إطلاق النار، هي الأعنف والأشد تدميرًا منذ بدء الحرب. ورغم الدمار والأضرار التي لحقت بالأبنية والبنى التحتية، وصل الأهالي إلى الضاحية حاملين رايات المقاومة ومؤكدين تمسكهم بها رغم كل المجازر التي ارتكبها العدو الإسرائيلي والدمار الذي سببته صواريخه.
فشل أهداف العدو
نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله اللبناني محمود قماطي، من جهته أكد في مؤتمر صحفي ، تحقيق الانتصار بعد شهرين من الجهاد المتواصل والصمود والإرادة. مؤكدًا أن العدو لم يحقق أي هدف من أهدافه.
وأضاف قماطي: ” صمود المقاومة في الجنوب أفشل العدو وأفشل العدوان على الشرق الأوسط أيضًا”.. مؤكدًا أن ما جرى اليوم هو انتصار للأمن القومي العربي. وأردف: تحية لبيئة المقاومة التي صمدت وصبرت وكانت وفية ومضحية في سبيل دعم المقاومة وصمودها ونحن أوفياء لهذه البيئة.
وكشف أنه يجري التحضير لتشييع الشهيدين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين الذي سيكون استفتاء شعبيًا وسياسيًا لتبني نهج المقاومة.
وأضاف: “سنتابع موضوع الأسرى كما موضوع إعادة الإعمار، وأقول للرأي العام اللبناني: إنه عندما يفشل العدو في تحقيق أهدافه ويصل إلى نقطة الاستعصاء العسكري فهذا هو الانتصار. وتابع: حماس والجهاد الإسلامي يشكران المقاومة وقادتها ونقول اليوم: إننا لن نترك فلسطين وهي قضيتنا الأساسية.
وأكد قماطي أن كيفية استمرار دعم حزب الله لفلسطين هو أمر يُقرر في حينه، وقال: “الفضل في الانتصار يعود أولاً إلى المقاومة, وثانيًا إلى الموقف السياسي الرسمي, وثالثًا إلى بيئة المقاومة”.
واختتم قماطي حديثه بالقول: “الفضل في هذا الانتصار يعود إلى التفاوض الصلب للمفاوض السياسي اللبناني, وفي طليعته الرئيس نبيه بري”.
عودة النازحين تأكيد الانتصار على العدو
وقال عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله: إن “مشهد عودة الناس رغم التهديدات الإسرائيلية منذ فجر اليوم يكمل جهاد المقاومين وتضحيات الشهداء في تأكيد الانتصار على أهداف الحرب الإسرائيلية.”
وأضاف فضل الله في تصريحات لوكالة يونيوز للأخبار من مدينة بنت جبيل الجنوبية اليوم الأربعاء: انتصر الشعب والمقاومة ولبنان؛ لأننا أسقطنا أهداف الحرب المتمثلة بتدمير هذه المنطقة وجعلها منطقة عازلة معزولة من الناس، الناس عادت ولم يتمكن العدو الإسرائيلي من احتلال هذه الأرض بفضل التضحيات.
وتابع: منذ الصباح، كان المقاومون في بليدا وعيترون وعلى أطراف مارون وبنت جبيل وعيناتا وعيتا الشعب والخيام وكفركلا وشبعا وكل المناطق من الناقورة إلى تلال كفرشوبا وشبعا، كانوا متواجدين في أماكنهم وظلوا يقاتلون حتى آخر لحظة من وقف إطلاق النار، وبقيت الصواريخ تطلق إلى لحظة وقف إطلاق النار.
وأردف: كل الاعتداءات التي قام بها العدو الإسرائيلي طيلة ليلة أمس لم ترهب هذا الشعب لأنه شعب لا يهزم ولا ينكسر.
وختم قائلًا: اليوم بملء الثقة وبفضل هذه التضحيات والدم الغالي لسيدنا الشهيد السيد حسن نصرالله الذي رحل عن عالم الدنيا إلى العالم الملكوتي وترك فيها غصة، نقول له من بنت جبيل “نصرك هز الدني”.
المقاومة تُفشل محاولة تحسين شروط التفاوض
الإعلان عن وقف إطلاق النار يمثل لحظة فارقة في تاريخ الصراع، حيث تمكنت المقاومة من تحويل التوازنات لصالحها وإجبار العدو على إعادة النظر في استراتيجياته وخططه. هذه اللحظة تعزز من مكانة المقاومة كقوة قادرة على التأثير والتغيير، وتبرز مدى نجاحها في تحقيق نصر ملموس في وجه التحديات والأخطار.
النصر الذي حققته المقاومة الإسلامية في لبنان في الرابع والعشرين من نوفمبر 2024 يمثل لحظة فارقة في تاريخ الصراع مع الكيان الإسرائيلي. هذا اليوم شهد تصعيدًا غير مسبوق في العمليات العسكرية، حيث نفذت المقاومة 50 عملية في يوم واحد، مستهدفة قاعدة “بلماخيم” الجوية جنوب “تل أبيب” بصلية من الصواريخ النوعية. هذا الإنجاز العسكري لم يكن مجرد رقم، بل كان رسالة قوية للعدو الإسرائيلي وللعالم بأسره.
العدو الإسرائيلي، الذي حاول تحسين شروطه التفاوضية في الميدان البري بعد استنفاد بنك أهدافه الجوي، وجد نفسه أمام مقاومة شرسة ومصممة على تحقيق النصر، وعلى مستوى كافة الأصعدة، إذ اشارت إحصاءات الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية أن عملياتها سجلت:
– دوي صفارات الإنذار لـ 504 مرات في عمق كيان العدو من شماله إلى وسطه (ما بعد تل أبيب) من السادسة صباحًا حتى وقت متأخر من مساء الأحد الماضي فقط.
– إطلاق أكثر من 340 صاروخًا حتى المساء، وعشرات الطائرات المسيرة شلت الحياة في أول أيام الأسبوع، وأجبرت نحو 4 ملايين صهيوني على النزول إلى الملاجئ.
– تنفيذ 34 عملية داخل كيان العدو، بعمق بلغ 150 كلم عن أقرب نقطة حدودية (قاعدة أشدود البحرية)، و19 عملية في المناطق اللبنانية المتاخمة للحدود الفلسطينية.
– بلغ عدد القواعد المستهدفة 9 قواعد من عكا إلى ما بعد تل أبيب، و5 مواقع وثكنات عسكرية، و14 مدينة ومستعمرة، و18 تجمعًا عسكريًا “إسرائيليًا”.
– تم إطلاق 38 صاروخ أرض – أرض من النوع الثقيل، بينهم 4 صواريخ نوعية و7 صواريخ موجهة دمرت 6 دبابات في منطقتي التوغل “الإسرائيلي” في البياضة في القطاع الغربي وديرميماس في الأطراف الغربية للقطاع الشرقي، فدمرت وأحرقت، وقتل وجرح من كان بداخلها.
– قصفت تجمعات العدو العسكرية 6 مرات فقط في أطراف مدينة الخيام، و4 مرات في أطراف ديرميماس وعند مثلث كفركلا – ديرميماس، وتمت متابعة تحركات عند موقع الراهب العسكري قبالة عيتا الشعب، وقصف تجمع في بلدة شمع بصليات صاروخية ومسيرات انقضاضية أبقت كل قوات العدو في مناطق التوغل الحدودية تحت نيران المقاومة، ما أجبرها على التراجع في محور البياضة وكذلك في أطراف مدينة الخيام، مع مشاهد تناقلها شهود عيان عن استبسال منقطع النظير لمجاهدي المقاومة الإسلامية في صد محاولات التوغل الصهيونية ومنعها من التقدم وتثبيت سيطرتها، ما جدد التأكيد، في هذا اليوم، على المسار الصعب والتكلفة الباهظة التي يتعين على كيان العدو دفعها إذا أصر على الاستمرار في عمليته البرية.
انتصار سياسي واستراتيجي
هذا النصر لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل كان انتصارًا سياسيًا واستراتيجيًا أيضًا. المقاومة الإسلامية في لبنان أثبتت أنها قادرة على مواجهة العدو وإفشال مخططاته، وأنها تمتلك من الخبرة والقدرة ما يمكنها من إدارة الصراع بفعالية. هذا النصر يعزز من مكانة المقاومة ويؤكد على قدرتها على تحقيق النصر الموعود، مهما كانت التحديات.
نقطة جوهرية وأساسية في برنامج عمل المقاومة ليوم استثنائي كان مشبعًا بالرسائل والرموز في أكثر الأوقات حساسية والمرتبطة بمصير ما يمكن تسميته بالمحاولة الدبلوماسية الأخيرة لوقف إطلاق النار، والتي حسم فيها لبنان موقفه الإيجابي لجهة الموافقة عليها بعد تقديم ملاحظاته على الورقة الأمريكية، وتثبيت مطلبي وقف إطلاق النار وعدم المساس بالسيادة اللبنانية.
في حين يحاول العدو الإسرائيلي تحسين شروطه التفاوضية في الميدان البري، بعد استنفاد بنك أهدافه الجوي، حيث كانت نتائج يوم الأحد الماضي دامية ومؤثرة بالنسبة إليه لجهة فشله في فرض تنازلات لبنانية كان يسعى لتحقيقها بلا جدوى.
كانت قيادة المقاومة الإسلامية تدير التفاوض بالميدان لمنع العدو من أي سوء فهم لتفاعلها الإيجابي مع مبادرات وقف النار، ذهبت إلى الحد الأقصى الذي يمكن القول إنه فاجأ العدو بنوعية وكثافة العمليات التي بدأت، عند السادسة والنصف صباحًا، بقصف هدف عسكري “إسرائيلي” – لم يسمِّه بيان المقاومة – في مدينة “تل أبيب” بشكل مكثف ومركز في عملية مركبة كشف عنها الإعلام الحربي في وقت لاحق من نفس اليوم. وكانت العملية عبارة عن إطلاق سرب من المسيّرات الانقضاضية ذات المدى البعيد وصليات من صواريخ فادي ٦، قبل أن تنقض صواريخ قادر ٢ على الهدف وتحقق إصابات دقيقة ومباشرة، بحسب البيان الصادر عن المقاومة.
إفهام العدو بالنار المتواترة
تعمدت المقاومة بدء نشاطها يوم الأحد بقصف تلك الأهداف، في “قلب تل أبيب”، ردًا على العدوان “الإسرائيلي” على العاصمة اللبنانية بيروت، لتثبيت معادلة “تل أبيب مقابل بيروت”، والتي أكدها الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في ظهوره الإعلامي الأخير، على قدرة المقاومة على تنفيذها وتثبيتها.
لهذه الغاية، نفذت المقاومة الإسلامية ثلاث ضربات نوعية في “تل أبيب” وما بعدها: الأولى صباحًا (الآنفة الذكر)، والثانية عند التاسعة صباحًا، أيضًا، واستهدفت للمرة الأولى قاعدة أشدود البحرية (150 كلم) بسرب من المسيّرات الانقضاضية أصابت أهدافها بدقة، والثالثة عند الواحدة ظهرًا استهدفت قاعدة غليلوت (مقر الوحدة 8200) في ضواحي “تل أبيب” بصلية من الصواريخ النوعية.
هذه النقطة، مثلت أقوى حزمة من الجدلية العميقة تمكنت المقاومة من رميها إلى عمق كيان العدو، أثارت مع عمليات هذا الشهر وعمليات يوم الأحد، بالذات، نقاشًا واسعًا في الكيان حول المعلومات المغلوطة التي تقدمها قيادته لجمهورها، بعدما أقنعتهم بأنها دمرت 80 في المئة من القدرات العسكرية لحزب الله.
الجدلية تحولت إلى قنبلة موقوتة ومدار تهكم يومي داخل الكيان المؤقت، حيث يشعر الجمهور “الإسرائيلي” بقدرات حزب الله الصاروخية والمسيّرة في قلب ووسط كيانهم. وكان لافتًا، يوم الأحد الماضي، كيف أن بعض القنوات “الإسرائيلية” تعرض على شاشاتها من أربعة مصادر، في توقيت واحد، صور الدمار الكبير والنيران التي اندلعت من نهاريا وعكا وحيفا وصولًا إلى “تل أبيب” في تغطية إعلامية نادرة تجاوزت الضوابط التقليدية للرقابة العسكرية، وحسمت كل الجدل “الإسرائيلي” حيال ما يملكه حزب الله من قدرات ومن إرادة لم تتزحزح قيد أنملة عن ثوابتها.
“تل أبيب” مقابل بيروت- تتوج بالنصر
هذه المباغتة والمراوغة والسيطرة التشغيلية أكدت مجددًا أن اغتيال مستويات قيادية عليا في المقاومة لم يؤثر على إدارتها لهذا المستوى المتقدم من العمليات، وأن البدائل التي عُيّنت تملك خبرات ممتازة في هذا المجال، يجري اختبارها بكفاءة عالية يوميًا في الميدان مع كفاءة الأسلحة نفسها. وهذا ما جعل من معادلة “تل أبيب مقابل بيروت” تتوج معركة “أولي البأس الشديد” بالنصر.
ولعل النقطة الأهم التي تمكنت المقاومة من خلالها أن تجبر الكيان الإسرائيلي على المسارعة إلى صيغة إطلاق النار الحالية، وهذا ما يعطي إشارة إلى أن عزم المقاومة الإسلامية على تثبيت معادلات جديدة سيستمر مفعوله إلى ما بعد وقف إطلاق النار وتشكل قواعد الاشتباك المقبلة؛ حيث يظهر فشل العدو في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، وتؤكد قدرة المقاومة على ضبط وردع جنون العدو وكسر غطرسته.