موقع أنصار الله . تقرير | علي الدرواني

في يومها الرابع نفذت القوات الإيرانية عملية هي الأوسع والأشد فتكا من بين الموجات الثماني السابقة للهجمات الإيرانية حتى الآن، ضمن عملية "الوعد الصادق3"، حيث تعرض كيان العدو لضربة ثقيلة ومدمرة، وصفتها طهران بأنها الأقوى والأكثر تدميرا منذ بداية الرد على العدوان الصهيوني، وقد تسبّب سقوط الصواريخ في مدينتي حيفا و"تل أبيب"، ومناطق مثل بتاح تكفا، وغوش دان، وبني براك، في حالة طوارئ وأزمة حادة في تلك المناطق، حيث رصد الدمار الواسع في عدة مناطق مختلفة في كل من يافا "تل أبيب" وحيفا المحتلتين، وأصابت مواقع استراتيجية.
وقالت وكالة تسنيم إن الحرس الثوري استخدم في الهجوم الأخير على حيفا وتل أبيب عددا أكبر من الصواريخ الفرط صوتية مقارنة بهجمات سابقة، وهي صواريخ ذات سرعة عالية وقدرة تدميرية كبيرة في الهجوم، مضيفة أن الهجمات المقبلة ستشهد استخداما أكبر للصواريخ الفرط صوتية لضمان اختراق الدفاعات الجوية، والوصول إلى الملاجئ المحصنة للكيان.

التضليل قبل التدمير

نجح الإيرانيون في خداع منظومة الإنذار المبكر الإسرائيلية، وتلاعبوا بها بذكاء عسكري ملحوظ. على إثر ذلك، اندفع المغتصبون إلى الملاجئ تحت ضغط التهديد الوهمي، وسط حالة من التوتر والارتباك. في المقابل، روّج الإعلام الإسرائيلي لنجاح "هجمات استباقية" استهدفت منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية، مدعيًا تدميرها بالكامل. لكن الحقيقة سرعان ما تكشفت؛ فقد انفضحت الكذبة العسكرية، ما دفع "قيادة الجبهة الداخلية" إلى الإبقاء على الصهاينة داخل الملاجئ لخمس ساعات تقريبا، خشية افتضاح الخديعة. ثم، بعد انتظار ثقيل، انهمرت الصواريخ الإيرانية بشكل أسرع، أعنف، وأكثر دقة. اجتاحت كامل مساحة الكيان، مستهدفة قواعد عسكرية، مراكز أمنية، وتحصينات استراتيجية، محدثة دمارًا بالغًا في العمق الصهيوني في حيفا و"تل أبيب".


الملاذ الأخير لم يعد آمنا:

إن وصول الصواريخ الإيرانية إلى الملاجئ المحصنة في الكيان يعد تطورًا بالغ الأهمية، لأنه يكسر أحد أهم أسس الثقة النفسية التي بني عليها "الأمان الداخلي" في الكيان الإسرائيلي. هذا التطور من شأنه أن يدفع نسبة متزايدة من الإسرائيليين، وخاصة فئات معينة، للتفكير الجدي بمغادرة فلسطين المحتلة، أو على الأقل ترتيب "خطة بديلة" خارج الكيان. 
تعد الملاجئ المحصنة خط الدفاع الأخير عن المغتصبين الصهاينة، وفي الخطاب الديني القومي الصهيوني، كانت الملاجئ رمزًا لـ "الحماية الإلهية والإستراتيجية". إذا ضُربت، فإن جزءًا من هذا الخطاب ينهار.
وطوال العقود الماضية، اعتمد الإسرائيليون على البنية التحتية الدفاعية (القبة الحديدية وأخواتها)، والإنذارات المبكرة، والملاجئ المحصنة. لكن عندما تتجاوز الصواريخ طبقات الدفاع المختلفة وتصل إلى الأماكن المحصنة، فإن رسالة إيران واضحة: "لا مكان آمن لكم، الأمر الذي يولد ذعرًا نفسيًا لا يمكن احتواؤه بالتصريحات والتطمينات الرسمية، ولا بالتهديد لإيران وسكان طهران.
بناء على هذه التطورات ودرجات الخطورة المتراكمة، تهتز الثقة والأمان، فالقرارات السياسية مثل إغلاق المطار ومنع السفر تعزز شعورًا بأن حكومة نتنياهو لا تحمي شعبها، بل تحتجزه، وتنمي شعور المستوطنين بأنهم رهائن لخيارات نتنياهو وليسوا أصحاب قرارات، ما يخلق بيئة طاردة نفسيًا واجتماعيًا.
لا ننسى أن هناك تقارير سابقة -حتى قبل التصعيد- تتحدث عن زيادة الرغبة لدى بعض المستوطنين في الهجرة، خصوصًا إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، وبعد وصول الصاروخ الإيراني إلى الملاجئ المحصنة، ستتسارع هذه النزعة، خصوصًا في أوساط مزدوجي الجنسية، والمتدينين المعتدلين، والعرب الإسرائيليين، والطبقة الوسطى ذات التعليم العالي. 
كما في البلدان التي تشهد حروبا مشابهة، فإن الخوف الجماعي يؤدي إلى قرارات جماعية واسعة النطاق. كما حدث في أوكرانيا وسوريا، تدفع موجات الخوف إلى المغادرة بمجرد أن تتاح الفرصة، وفي الحالة الإسرائيلية، سيكون هذا واضحًا بمجرد فتح مطار اللد -المسمى "بن غوريون"- مجددًا.
باختصار لأنه ما دامت الحكومة المجرمة غير قادرة على حماية ما اعتُبر "الملاذ الأخير"، فإن كثيرين سيعتبرون الخروج من الكيان هو الملاذ الوحيد.

لا مفر من الصواريخ ولا مجال للهروب

منذ بدء العدوان الإسرائيلي، قرر كيان العدو إغلاق مطار "بن غوريون" أمام الرحلات الجوية ذهابا وايابا، لمنع اليهود الصهاينة من الفرار إلى أماكن أكثر أمنا خارج الكيان المحاصر بالنيران، ما أثار موجة من التساؤلات حول مصير الإسرائيليين المحاصرين تحت خطر الصواريخ. ليتحوّل الإسرائيليون إلى رهائن لدى حكومة نتنياهو داخل الكيان!
وفيما تذكر القناة الـ12 الصهيونية أن أكثر من 200 ألف إسرائيلي عالقون خارج الأراضي المحتلة بسبب توقف الملاحة في مطار اللد، فإن ملايين الإسرائيليين أصبحوا أسرى بيد نتنياهو وحكومته المجرمة، لا سيما بعد تلقي شركات الطيران الإسرائيلية أوامرَ من المجرم نتنياهو بعدم السماح لأي إسرائيلي بالمغادرة. وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن"الحكومة الإسرائيلية أمرت شركات الطيران الإسرائيلية بعدم السماح بخروج رحلات من البلاد، في حال تقرر تسيير رحلات إنقاذ لإعادة الإسرائيليين العالقين في الخارج" حسب الصحيفة.
وأضافت: "السبب المعلن هو تعليمات الجهات الأمنية التي تخشى من استهداف الطائرات، وتسعى لتقليل التجمعات الكبيرة قدر المستطاع".
وتخطط حكومة المجرم نتنياهو لرحلات الإنقاذ التي تتضمن رحلتين فقط في الساعة وخلال النهار فقط. علق الرئيس التنفيذي لشركة الطيران الإسرائيلية "أركيا" عوز بيرلويتز على ألامر بأنه "بعيد كل البعد عن تقديم حل حقيقي للوضع، فبهذا المعدل قد تستغرق عودة جميع الإسرائيليين أسابيع عديدة بل وأكثر".
وقال بيرلويتز: "تقطعت السبل بعشرات الآلاف من الإسرائيليين في الخارج دون أي حل عملي أو أمل في العودة"، وفقا لما أوردته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيلية.
وأضاف: "أتلقى مئات الاستفسارات يوميا من أفراد وجنود وأطباء وبعض أكبر الشركات في الاقتصاد، ومرضى وأشخاص يعانون من ضائقة مالية بسبب إقاماتهم الطويلة في الفنادق"، مضيفا: "يجب على الحكومة أن تدرك أن أزمة الطيران الحالية هي أزمة وطنية".
ويشكك مراقبون بقدرة الكيان على تنفيذ مثل هذه الخطة لإعادة الإسرائيليين العالقين في الخارج، والتي تعتمد أساسا على فكرة أن الضربات الإيرانية محصورة ليلا، وهو الأمر الذي كسرته الموجة الصاروخية عصر أمس الأحد، الأمر الذي يجعل المطار مغلقا من ناحية أمنية إلى جانب سياسة نتنياهو لمنع هروب الصهاينة.


الوعد الصادق، والملاذ الكاذب

بين نيران الصواريخ الإيرانية، وعشوائية القرارات السياسية الإسرائيلية، يجد المستوطنون أنفسهم اليوم في عنق زجاجة ومفترق طرق تاريخي. 
إيران، من خلال ضرباتها المركّزة والدقيقة، أثبتت قدرتها على نقل المعركة إلى عمق الأراضي المحتلة، متجاوزة الخطوط الحمراء التقليدية في الردع، ومرسلة رسالة واضحة: لا موقع في الكيان بمنأى عن النار.
في المقابل، تقف حكومة بنيامين نتنياهو عاجزة ومرتبكة، تتخبط في قرارات متسرعة تحاصر بها المغتصبين، بدلاً من أن تقدم لهم الحماية. إغلاق مطار اللد المسمى "بن غوريون" ومنع السفر، ومنع الإسرائيليين من الهروب إلى الخارج، كلها مؤشرات على نظام فقد القدرة على ضبط المشهد، وتحول من سلطة حماية إلى سلطة احتجاز، حوّل معها الكيان إلى سجن كبير.
هذا الواقع الجديد يفتح بابًا واسعًا للتساؤلات داخل مجتمع الكيان الإسرائيلي نفسه: ما جدوى البقاء في كيان محاصر، تتهاوى فيه رموز الحماية ويفقد فيه الإنسان قراره؟ كيف يمكن الحديث عن "دولة آمنة" إذا كانت حتى الملاجئ لم تعد توفر النجاة، وإذا كانت حكومة الاحتلال تقرر من يغادر ومن يبقى تحت النار؟
تحت هذا الضغط المتعدد عسكريًا، نفسيًا، وسياسيًا، قد نشهد في قادم الأيام تحولات حقيقية في المزاج الإسرائيلي، قد تبدأ بالهجرة الجماعية، ولا تنتهي عند تآكل الثقة بشرعية الحكومة الاحتلال ونجاعة خياراتها، وكلها بانتظار فتح المطارات، التي قد لا تفتح في وقت قريب.
وهكذا، لا يبدو أن الضربة الإيرانية كانت مجرد عمل عسكري؛ بل كانت ضربة موجهة إلى أعصاب الكيان ومفاصل استقراره الداخلي. فإما أن يواجه هذا الكيان حقيقته المهددة، أو يبدأ فعليًا بالانهيار من الداخل قطعةً قطعة.