يحيى الربيعي
منذ بزوغ فجر الخميس الموافق 13 يونيو 2025، يعيش الكيان الصهيوني تحت وطأة عاصفة نارية لم يشهد لها مثيل. هذه العاصفة مثلت تجسيداً حياً للوعد الصادق 3، العملية النوعية التي أطلقتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية. جاءت الضربات متوالية، دقيقة التوقيت، وواسعة المدى، لتُشكل رداً حازماً على تمادي العدو في عدوانه الإجرامي المستمر، والذي يستهدف بدموية شعوب المنطقة، لا سيما في قطاع غزة ولبنان الصامدَين.
لم تكن هذه الضربات مجرد استعراض للقوة، بل كانت جزءاً لا يتجزأ من منظومة حسابات استراتيجية دقيقة، وُضعت لتُحدث خلخلة عميقة في توازنات الأمن والاقتصاد والبنية داخل الكيان الصهيوني. هي رسالة واضحة لا تقبل التأويل: زمن الإفلات من العقاب قد ولى، وأن "تل أبيب لم تعد بمنأى عن الرد".
جاءت شرارة التصعيد الأخير بعد أن نفذ العدو الصهيوني عملية عدوانية راح خلالها العشرات من الشهداء والجرحى بينهم القائد العام للحرس الثوري الإيراني وقائد أركان الجيش الإيراني وعلماء نويين وكذلك مدنيين، في خطوة عدوانية تهدف إلى ضرب القدرات الإيرانية الاستراتيجية. هذا الغدر في التوقيت، الذي جاء مترافقاً مع مأزق داخلي خانق لرئيس وزراء الكيان، بنيامين نتنياهو، دفع إيران إلى "ساعة صفر" للرد الحاسم، مُعلنةً عن تحول استراتيجي عميق في طبيعة الصراع. انتقل الرد ليتحول إلى المواجهة العسكرية المباشرة والعلنية. وقد ردّت إيران بضربات صاروخية دقيقة طالت مواقع حساسة في حيفا و "تل أبيب".
لقد كشفت "عملية الوعد الصادق 3"، وما سبقها من تصعيد ممنهج، عن عمق الخسائر التي يتكبدها الكيان الصهيوني. هذه الخسائر تتجاوز بكثير الأرقام المادية المباشرة، لتضرب في صميم بنيته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، مهددة استقراره ووجوده.
لقد كانت "عملية الوعد الصادق 3" بمثابة كشف مؤلم لحصاد أرواح وجروح الصراع، حيث تعددت الروايات وتضاربت الأرقام.
كشفت ما تسمى وزارة الصحة في الكيان الصهيوني، وفقاً لما نقلته وكالة "رويترز"، عن مقتل 24 مغتصباً صهيونياً، وإصابة 130 آخرين بجروح، منها 17 إصابة حرجة تتطلب رعاية طبية مكثفة. هذه الأرقام، رغم محاولات التستر عليها، تشير إلى أن الكيان لم يعد بمنأى عن نيران الرد. وقد أفادت القناة 12 العبرية أن أكثر من 8 ملايين مغتصب لجأوا إلى الملاجئ خلال أيام التصعيد، ما فاقم من كلفة تشغيلية شملت الإسعافات والمواد الغذائية والدواء، قدرتها ما تسمى وزارة الأمن الداخلي بما يزيد عن 220 مليون "شيكل"، عاكسة بذلك حجم الهلع والخوف الذي أصاب المغتصبين.
أما على صعيد البورصة والأسواق المالية، فقد أشارت تقارير إلى أن الأسواق الإسرائيلية شهدت تراجعاً كبيراً بعد الهجوم الإيراني، حيث انخفض مؤشر سوق "تل أبيب" بنسبة 3.64%، وتراجع سعر صرف "الشيكل" بأكثر من 5% مقابل الدولار، وذلك نتيجة لمخاوف المستثمرين المتصاعدة من التوترات الجيوسياسية. وفقاً لصحيفة "كالكاليست"، فقد خسرت بورصة "تل أبيب" 4.3% من قيمتها السوقية خلال أيام التصعيد الأخيرة، بينما هبط "الشيكل" أمام الدولار بنسبة 5.8%.
وتشهد البورصة وأصول المستثمرين اليهود هبوطاً؛ إذ أشارت «فايننشال تايمز» إلى أن كبار المستثمرين الأجانب أوقفوا ضخ التمويل وراجعوا محافظهم في الشركات الإسرائيلية تحسباً لتدهور الأوضاع الأمنية. كما أن تأجيل المشاريع الكبرى، وارتفاع كلفة التأمين على الشحن والطاقة، سيشكل ضغوطاً على النمو، وفق تحليل مجموعة «أكسفورد إيكونوميكس». إجمالاً، فإن نقص الاستثمارات الأجنبية واستنزاف الإيرادات السياحية وتقلب الأسواق تعمّق أزمة السيولة والتمويل في الاقتصاد الإسرائيلي.
وبلغ العمل اللازم لتشغيل منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي أعلى مستوياته. تتكلف صواريخ الاعتراض من نوع «تامير» في «القبة الحديدية» حوالي 40–50 ألف دولار للواحدة. مع إطلاق عشرات أو مئات الصواريخ الدفاعية لاعتراض الصواريخ الإيرانية، فإن تكلفة المجابهة تتراكم بملايين الدولارات. كما تزيد كلفة تشغيل أجهزة الإنذار، والجاهزية الدائمة لأجهزة الرادار والأقمار الاصطناعية. نفقات شحن البطاريات، وتجهيز ملاجئ الصوت والإنذار المبكر طيلة أيام القتال تشكل عبئاً مالياً إضافياً على الموازنة الدفاعية الإسرائيلية.
أفادت صحيفة "المدن" بتاريخ 16 يونيو 2025 أن خسائر "إسرائيل" المباشرة خلال اليومين الأخيرين بلغت 1.5 مليار دولار، في إشارة إلى تكاليف مواجهة التهديدات الأخيرة. فيما ذكرت وسائل إعلام العدو بأن "إسرائيل" تكبدت نحو 2.75 مليار "شيكل" (733.12 مليون دولار) يومياً من النفقات العسكرية المباشرة وحدها في مواجهتها مع إيران. وتشير "كالكاليست" الإسرائيلية إلى أن خسائر البنى التحتية والمساكن المدمرة داخل الكيان تجاوزت 1 مليار "شيكل" خلال ثلاثة أيام فقط من "الوعد الصادق 3". هذه الأرقام تعكس التكاليف المتصاعدة للحرب وتبعاتها.
تبعات الاستهداف للبنية التحتية في الكيان الصهيوني كشفتها الصحفية الصهيونية "لئال كيزر" في قناة "كان" العبرية والتي أكدت تضرر 1500 منزل وشقة في "إسرائيل" خلال أربعة أيام فقط من الحرب مع إيران، والأضرار جسيمة جدا، ليس فقط في الأرواح، بل في الممتلكات أيضا، والتكاليف مرتفعة جدا تبعا لذلك، الأضرار التي لحقت فقط خلال يوم السبت، قُدرت بمئات ملايين "الشواقل". وأضافت: "منذ ذلك الحين، ومع مرور يوم الأحد، تجاوزت التكاليف عتبة المليار "شيكل"، يقول لي مسؤولون اقتصاديون كبار: إذا استمر الأمر على هذا النحو ومن الصعب طبعا التنبؤ بما سيحدث خلال الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين، في أولى مراحل الهجوم على إيران، يتوقع أن تصل التكاليف إلى نحو 10 مليارات "شيكل" من الأضرار، وكل ذلك من دون احتساب احتمال استهداف منشآت بنية تحتية أو مواقع حيوية حساسة.
وأشارت إلى أن ما يجب قوله هو التالي: "حاليا، الصندوق التابع لضريبة الأملاك يحتوي على حوالي تسعة مليارات ونصف "شيكل"، هذا ما تبقى هناك، هذا الصندوق كان يُعتبر سابقا مصدرا ماليا يمكن للحكومة العودة إليه عند الحاجة، كان يحتوي على الكثير من المال منذ بداية الحرب، لكن هذا الاحتياطي بدأ ينفد تدريجيا".
لطالما شكّلت حيفا رئة الصناعة والتجارة الخارجية للكيان الإسرائيلي، لكنها تحوّلت، في سياق تصعيد المواجهة مع إيران، إلى نقطة ضعف قاتلة. فالضربات الصاروخية، طالت المصفاة و المرفأ، وتسبّبت بخسائر مادية تضع "إسرائيل" أمام كارثة اقتصادية كبيرة.
خلال عملية الوعد الصادق، انتقت إيران أهدافها بعناية، وخصصت جزءا كبيرا من عملياتها لاستهداف المنشآت الاقتصادية في الكيان الصهيوني. فجر الاثنين، كان الأصعب على العدو الصهيوني، حيث استهدفت إيران ميناء حيفا بصواريخ دقيقة، أحدثت أضراراً هائلة، وسببت أزمة اقتصادية كبيرة بعد إخراج معامل تكرير البترول في خليج حيفا عن الخدمة.
الشركة المسؤولة عن تشغيل محطة ومصافي حيفا، أعلنت أمس إغلاق جميع مرافق المصفاة والشركات التابعة لها عقب تضررها بالقضف الصاروخي الإيراني، مؤكدة تضرر محطة الطاقة المسؤولة عن جزء من إنتاج البخار والكهرباء بشكل كبير .
موقع "ذا ماركر" الصهيوني أوضح أن الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على منشآت "بازان" النفطية المستهدفة في حيفا، كونها توفّر 59٪ من ديزل النقل و49٪ من البنزين المستهلك و52٪ من وقود للطائرات
صحيفة "كالكاليست" الصهيونية قالت أنه و بعد تعرّض مصفاة "بازان" لهجوم إيراني وإيقاف منصتي "كاريش وليفياثان" لم يتبقَّ سوى منصة "تمار" والتي لا يمكنها تلبية كامل الاحتياجات من الوقود بمفردها.
مصفاة حيفا تعتبر الشريان الأساسي لإمداد الكيان الصهيوني بالطاقة، بقدرة تكرير سنوية تصل إلى 10 ملايين طن، ويعود تأسيسها إلى عام 1939 إبان فترة الانتداب البريطاني. وتوفّر هذه المنشأة، وفق التقديرات الإسرائيلية، نحو 60 إلى 70% من مجمل الوقود المستخدم في القطاعات الحيوية داخل الكيان: من الصناعة والزراعة، إلى وسائل النقل المدنية والعسكرية. كما يقدَّر أنّ 55% من إجمالي مبيعات المصفاة تذهب إلى السوق الداخلية، وتشمل البنزين، وقود الديزل، وقود الطائرات، والغاز الصناعي. كما تعدّ مصدراً أساسياً لتغذية "الجيش" الإسرائيلي باحتياجاته من الوقود والمواد الكيميائية المستخدمة في الصناعات العسكرية، فضلاً عن كونها مقراً لمحطات تخزين واستيراد النفط الخام، الذي يصل أحياناً من كردستان العراق أو أذربيجان، مروراً بالبحر المتوسط.
تبلغ طاقة المعالجة اليومية في مصفاة حيفا197.000 برميل يومياً وطاقة المعالجة السنوية في مصفاة حيفا 10 ملايين طن من النفط الخام، فيما يبلغ معدّل استخدام المصفاة (2023-2024) نحو 90%
وبناء على هذا الدور المفصلي، فإنّ الاستهداف للمصفاة وتعطيلها، أحدث شللاً في منظومة الطاقة الإسرائيلية، بحسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية، مع تأثيرات تطال قطاعات النقل والطيران والإنتاج الصناعي، وصولًا إلى الصناعات الكيميائية المرتبطة بها.
كذلك، يشكّل هذا النوع من الضربات، بحسب مراقبين، ضغطاً مضاعفاً على الجبهة الداخلية، وخصوصاً في الشمال، حيث تمثّل مصفاة حيفا إحدى الركائز الاقتصادية والمعنوية، ليس فقط في موازين الحرب بل أيضاً في معادلات الردع النفسي والسياسي.
وكشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الاثنين، أنّ عدد المستوطنين الذين يفرّون من "إسرائيل" على متن اليخوت عبر قبرص يتزايد وهو بالمئات، وذلك في ظل الهجوم الإيراني، المستمر منذ أيام.
وبينما لا تزال الملاحة الجوية من "إسرائيل" متوقّفة، انضمّ عدد كبير من المستوطنين الإسرائيليين إلى "مجموعات توفّر لهم طريقاً بديلاً للهروب"، عبر البحر، بحسب ما أوضحته الصحيفة.
ويتمّ هذا الهروب "سرّاً، ومن دون رقابة، ومقابل آلاف الدولارات"، حيث أكد جميع المستوطنين تقريباً الذين تحدّثت إليهم الصحيفة أنّهم "يغادرون بسبب عدم وجود خيار آخر".
ولم ينحصر الأمر بمنطقة معيّنة من الأراضي المحتلة، بل يبحث المستوطنون عن يخوت "تبحر بهم إلى قبرص، ومنها إلى أي مكان آخر"، في مراسٍ متعدّدة، كما في "هرتسيليا"، في الوسط، حيفا المحتلة شمالاً، وعسقلان المحتلة جنوباً.
إزاء ذلك، وصفت الصحيفة مرسى "هرتسيليا" بأنّه صار "محطة مغادرة مصغّرة" خلال الأيام الأخيرة، مضيفةً أنّ أصحاب اليخوت في حيفا وعسقلان أيضاً "ينظمّون الرحلات الصغيرة في مجموعات لا يتجاوز عدد أفرادها الـ10".
وحتى الآن، "لم تتمكّن هيئة السكان في إسرائيل بعد من تقدير حجم هذه الظاهرة"، الآخذة بالتزايد، بحسب "هآرتس".
الصحيفة تحدّثت أيضاً عن ارتفاع المبالغ التي على المستوطنين دفعها من أجل الهرب عبر البحر، قائلةً: "حيثما يوجد طلب، يوجد من يسارع لتقديم خدماته مقابل المال".
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن مستوطنين فارّين أنّ تكلفة إحدى الرحلات عبر يخت كلّفت 2500 شيكل للفرد، "لكن هناك من يطلب أكثر بكثير".
وأشارت أيضاً، نقلاً عن مستوطن، أنّه "تمّ طلب 6000 شيكل"، ونقلت عن آخر قوله: "هذه مسألة عرض وطلب، ومن يريد أن يدفع، يدفع".
لكن حتى أولئك المستعدّون للدفع، كما يقول القباطنة، "عليهم الاستعداد للصعوبات"، وفقاً لما أكدته الصحيفة.
وبالحديث عن الصعوبات، أكد مستوطن لـ"هآرتس" أنّ الفعل الذي سيقوم به هو "القفز في الماء، في حال سقطت صواريخ في البحر".
وأعربت مستوطنة عن خشيتها من الاستهدافات الإيرانية ضدّ "إسرائيل"، والتي حقّقت إصابات مباشرة منذ بدئها الجمعة، قائلةً: "لقد سئمنا من الصواريخ".
وعندما سُئل مستوطنون عمّا إذا كانوا يخشون الرحلة عبر البحر، أجاب أحدهم: "ألا تخافون من البر؟".
تجاوزت الخسائر المعنوية في الكيان الصهيوني مجرد الأرقام ، لتصبح ضربة قاصمة للتماسك للمغتصبين الصهاينة.
• الانهيار النفسي: ارتفع عدد الصهاينة الذين طلبوا الدعم النفسي جراء الرد العسكري الإيراني بنسبة غير مسبوقة بلغت 350%، وفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية . وأشارت القناة 13 العبرية إلى ارتفاع حالات الهلع النفسي بنسبة 190% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. كما يعاني 50% من جرحى "جيش" العدو الإسرائيلي من إصابات نفسية عميقة، كما كشفت صحيفة "كالكاليست الإسرائيلية". هذه الأرقام المفزعة تشير إلى ظروف من الخوف والهلع والحالات النفسية غير المسبوقة التي تعصف بأوساط المغتصبين، حيث بات اقتصادهم "مهدداً" والمستوطنون لا يستطيعون العودة إلى الشمال أو الجنوب، بحسب تصريحات قادة المستوطنين أنفسهم. هذا الانهيار النفسي هو أخطر من أي خسارة مادية لأنه يضرب في صميم "مقومات الصمود" الداخلية للكيان الهشة، ويهدد بتفكك الكيان الصهيوني من الداخل.
• فقدان الثقة بـ"حكومة" العدو: أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في أبريل 2025 أن 58% من الإسرائيليين لديهم ثقة ضئيلة أو معدومة في "رئيس وزراء" الكيان بنيامين نتنياهو، بينما قال 42% إنهم لا يثقون به إطلاقاً. وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن الثقة في "حكومة" نتنياهو تراجعت إلى 23%، وهو أدنى مستوى منذ انتخابات 2021.
هذا يعكس فقدان الثقة المتصاعد في "حكومة" المجرم نتنياهو" وما يصدر عنها من وعود زائفة للداخل وتهديدات جوفاء للخارج. وتشير تسريبات إلى خلافات حادة داخل "المجلس الوزاري المصغر"، وسط ضغوط لإيقاف الحرب بأي ثمن. الاحتجاجات تتصاعد في الشوارع الإسرائيلية، وأسر الرهائن تحث نتنياهو بقوة على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، ما يبرز عمق الأزمة الداخلية التي يواجهها، وينعكس مباشرة على هروب رؤوس الأموال وتدهور الجانب السياحي والاستثماري في الكيان.
لقد أثبتت "عملية الوعد الصادق 3" أن أسطورة الردع الإسرائيلي، قد انهارت تماماً وتلاشت أمام عين العالم. فاليوم، ترسم إيران معادلة جديدة مفادها أن الكيان الصهيوني لا يعرف إلا لغة القوة، وأن هذا الكيان سريع الانهيار والتلاشي في حال التحرك لمواجهته وفق المعايير الإلهية.