أوضح سيد عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، في برنامج "حوار إخباري خاص" الذي بُث مساء اليوم الخميس، جملة من التوضيحات بشأن التطورات الأخيرة والسياسة الخارجية الإيرانية.
وقال  وزير الخارجية الإيراني قال: إن نظامين نوويين، أحدهما قوة عظمى تمتلك السلاح النووي، والآخر كيان مدعوم من قبل دولتين تمتلكان السلاح النووي وربما أيضاً من بعض الدول الأوروبية، جميعهم اجتمعوا وخططوا لإجبار إيران والشعب الإيراني على الاستسلام، لكنهم فشلوا في مسعاهم.
وأضاف: إن هذا الصمود من قبل الشعب الإيراني يستحق التهنئة. وكما تم التوضيح، فإننا نمرّ بمنعطف تاريخي، وستظل هذه المرحلة خالدة في التاريخ كرمز لصمود الشعب الإيراني.
وتابع، في ظل هذه الظروف، لم يكن هناك أي اختلاف بين التوجهات الفكرية أو السياسية أو القومية، بل وقف جميع الإيرانيين صفاً واحداً للدفاع عن الوطن.
وأضاف، لقد صمدنا لسنوات طويلة من أجل ألا يُحرَم الشعب الإيراني من حقوقه النووية، وتحمّلنا أنواع العقوبات والضغوط.
وتابع، لقد طُبّقت سياسة "الضغوط القصوى" خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ثم تمّ تشديدها. استخدموا كل الوسائل، بما فيها التهديد والحوار، لحرمان الشعب الإيراني من حقوقه القانونية، لكن أياً من تلك الوسائل لم يفلح.
إيران لم تقبل بوقف إطلاق النار لكنها أعلنت وقف العمليات
وقال وزير الخارجية الإيراني: إن السياسة التي تم إقرارها كانت تنص على أنه إذا أوقف العدو هجماته دون شروط مسبقة، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستنهي ردودها أيضاً.
وأضاف: إن سبب هذه السياسة واضح، إذ إن الطرف المقابل هو من بدأ العدوان، وإيران كانت فقط تدافع عن نفسها. وبالتالي، مع توقف هجمات العدو، تنتفي الحاجة للدفاع.
وتابع: في طريق العودة إلى طهران، تلقّينا رسالة من الطرف المقابل تفيد بوقف الهجمات اعتباراً من الساعة الرابعة فجراً بتوقيت طهران، وتم إجراء التنسيقات اللازمة مع الجهات المعنية.
وفي النهاية، أُبلغ الطرف المقابل أن إيران لا تقبل بوقف إطلاق النار، لكنها لن تواصل عملياتها طالما أوقف الكيان الصهيوني هجماته.
عدوان الكيان وأمريكا كان خيانة للدبلوماسية
وقال عباس عراقجي: لقد جاؤوا إلى طاولة المفاوضات وطرحوا مطالبهم، ونحن دافعنا عن حقوق الشعب الإيراني خلال تلك المفاوضات. وعندما يئسوا من التفاوض، جرّبوا أسلوباً آخر. وفي جميع مراسلاتنا، أكدنا أن هذا العدوان يُعد خيانة للدبلوماسية ولنَفَس الحوار. العالم اليوم ينصفنا ويقرّ بحقنا.
وأوضح وزير الخارجية: منذ لحظة اندلاع الحرب، تكيّفت السياسة الخارجية مع نهج المقاومة. فقد عملت السياسة الخارجية على الساحة الدولية لإيصال صوت حقانية الشعب الإيراني، ومن هذه الزاوية كنا نمتلك اليد العليا.
وأضاف: بعض الدول كانت تهدف إلى دعم الكيان الصهيوني وإجبارنا على عدم الدفاع عن وطننا. وهناك من أوصى بضبط النفس والدعوة لوقف إطلاق النار. لكن منطقنا لم يقبل بذلك، لأننا كنا الطرف المعتدى عليه وكنا ندافع عن أنفسنا، وقد أثبت منطقنا نجاحه في هذا السياق.
وتابع عراقجي: بيان منظمة التعاون الإسلامي وإدانة الدول العربية والإسلامية وسائر المنظمات كانت مواقف جيدة. دخلنا ساحةً لإظهار حقانية الشعب الإيراني وكسب الدعم الدولي. لم تكن هناك ساحة طُرح فيها منطقنا ولم يتم قبوله.
حول وقف الحرب
قال وزير الخارجية: إن السياسة المُقَرّة والتي أُقرت من قبل الجهات المعنية بصنع القرار كانت تنص على أنه إذا توقف العدو دون شروط مسبقة، فإن إيران أيضاً ستنهي ردودها. وهذا واضح، لأنهم هم من بدأوا العدوان. عندما أعلنوا ذلك، كنت في طريق العودة إلى طهران براً. وقد أعلنوا استعدادهم لوقف الهجمات ابتداءً من الساعة الرابعة فجراً بتوقيت طهران. وبذلك تحقق الشرط الذي كنا قد وضعناه. أعلنا في النهاية أننا لا نقبل وقف إطلاق النار، ولكن إذا لم يواصل الكيان (الصهيوني) هجماته، فنحن أيضاً لا ننوي الاستمرار.
وأضاف: الكيان الصهيوني اضطر، بسبب اليأس، إلى وقف العدوان. أما رئيس الولايات المتحدة فكان يغيّر تصريحاته كل ساعة. رأيت أن الرواية التي كانت تُطرح هي من الطرف المقابل، وأن هناك وساطة حصلت، فحاولت أن أُفشل هذه الرواية وأوضح الرواية الصحيحة. الكيان هو من طلب وقف العمليات، والضربات الأخيرة التي كانت مؤثرة جداً نُفذت من قبل قواتنا المسلحة.
قلنا للطرف الثالث بوضوح إن إيران ليست لبنان
وأكد عراقجي: قلتُ بوضوح للطرف الثالث أن ينقل للكيان أن إيران ليست لبنان، وإذا أقدموا على أي خطوة، فسنرد بالمثل. نأمل أن يلتزموا بوقف إطلاق النار، لأننا لن نتسامح. وفي اتصال مع طرف أوروبي، قلت له صراحة: "قولوا لهم إن إيران ليست لبنان، وإذا تم انتهاك وقف إطلاق النار، فإن إيران سترد".
عن مسار الدبلوماسية والمفاوضات
وفي ما يخص المسار الدبلوماسي والمفاوضات، قال وزير الخارجية: الدبلوماسية كانت حاضرة دائماً، قبل الحرب لتجنبها، وأثناء الحرب وبعدها. وطبعاً المفاوضات جزء من الدبلوماسية. وعندما نتحدث عن المفاوضات فهذا لا يعني بالضرورة التوصل إلى اتفاق، بل لإثبات الحجة. وفي المفاوضات كنا نتمتع بمواقف واضحة ولم نتنازل، وأصبحت تلك المفاوضات بمثابة حُجّة نهائية. أما كيف ستتطور الأمور دبلوماسياً من الآن فصاعداً، فهذا يحتاج إلى دراسة.
وأضاف: الدبلوماسية لا تزال قائمة، وتبادل الرسائل والحوارات مستمر. أما ما إذا كنا سنعود إلى المفاوضات مع أمريكا، فيجب تقييم الأمر. فالدبلوماسية مسألة ترتبط بحسابات الكلفة والفائدة. المهم هو مصالحنا، وإذا اقتضت مصالحنا، فسيُتخذ القرار المناسب. حتى المفاوضات التي جرت قبل الحرب منحتنا شرعية. فالمفاوضة قد تحصل في ظروف مختلفة ولأسباب مختلفة، ولا يشترط أن تؤدي إلى اتفاق. الأهم هنا هو مصلحة البلد ومنفعته.
وتابع عراقجي: لدينا تجربة أن أمريكا خانت أثناء المفاوضات، وهذا موضع اعتبار لدينا خلال تقييماتنا.
لا تفاوض مع ترامب حالياً
وبشأن تصريحات ترامب، قال: لم يتم التوصل إلى أي اتفاق لبدء مفاوضات جديدة، بل لم يجرِ أي حديث عن التفاوض أصلاً. لا توجد أي أرضية حالياً للمفاوضات.
المفاوضات السابقة مع أمريكا
أما عن المفاوضات السابقة مع الولايات المتحدة، فقال: قدموا مقترحاً تضمن بنوداً كثيرة لم تكن مقبولة بالنسبة لنا، ورفضناه. وأبلغناهم أنه مرفوض، وأننا سنقدّم مقترحنا في الجلسة التالية، لكن ذلك المقترح لم يصلهم لأن العدوان وقع. ومنذ البداية، أوضحنا أن أي اتفاق محتمل يجب أن يقوم على ركيزتين: استمرار التخصيب في إيران ورفع العقوبات، ويمكن أن تكون هناك ركيزة ثالثة تتمثل في تقديم ضمان لعدم السعي نحو سلاح نووي. إذا توفرت هذه المحاور، فإمكانية التوصل إلى اتفاق قائمة. لكنهم يئسوا وغيّروا المسار.
وأضاف: السيد البوسعيدي الذي كان وسيط هذه المفاوضات، تجاوز دوره التقليدي في نقل الرسائل، وحاول أن يقدّم مبادرات. خلال خمس جولات، قدّم أكثر من مرة مقترحات مكتوبة للطرفين. وقد سعى لتفعيل الوساطة بشكل نشط. وهذا ليس أمراً غريباً في عالم التفاوض.
عن التخصيب والخطوط الحمراء
وحول موضوع التخصيب والخطوط الحمراء الإيرانية، قال: كل هذه الأمور قيد التقييم. الأضرار لم تكن قليلة، ونحن بصدد تقييمها، ونقوم بمراجعة سياستنا. لا يزال الوقت مبكراً للحُكم على وجود أرضية للتفاوض.
السؤال حول "أي طاولة مفاوضات؟"
وفيما يتعلق بسلوك الأوروبيين وتساؤله حول "أي طاولة مفاوضات؟"، قال عراقجي: من المؤكد أن هناك تساؤلاً: أي طاولة مفاوضات؟ أولئك الذين يقولون لنا "عودوا إلى طاولة المفاوضات"، عليهم أن يوضحوا: أي طاولة؟ في حديثي مع الوفد الأوروبي في جنيف، لم تكن هناك مفاوضات بالمعنى الدقيق، بل حوار، وكان هناك تواصل مشترك مسبقاً، وكانت النقاشات جادة وحادة. وتقرر أن نتحدث وجهاً لوجه.
وأضاف: الحوار كان صريحاً، حاداً ومفيداً. وقلت لهم: لقد جلسنا معكم في عام 2015 وتوصلنا إلى اتفاق.
عن سفره إلى جنيف
وحول طريقة سفره إلى جنيف، قال: ذهبت براً إلى جنيف. وبكل فخر، تنقلت عبر الطريق البري، وعندما دخلت تركيا، استخدمت إحدى طائراتنا التي كانت متوقفة في إسطنبول.
آلية الزناد: خطأ استراتيجي أوروبي
وحول احتمال تفعيل الآلية المعروفة بـ"سناب‌ باك" من قبل الأوروبيين، قال عراقجي: إن أوروبا، خاصة فرنسا وبريطانيا كعضوين دائمين في مجلس الأمن، تملكان صلاحية تفعيل هذه الآلية. وخلال الاجتماع الأخير يوم الجمعة، نوقش هذا الموضوع بشكل جاد، وتم التأكيد بوضوح على أن تفعيل هذه الآلية سيكون الخطأ الاستراتيجي الأكبر لأوروبا؛ لأنه سينهي دور أوروبا في الملف النووي الإيراني إلى الأبد.
وأكد عراقجي: إذا أرادت أوروبا البقاء في مسار المفاوضات — وهو مسار قد لا ينتهي حتى قبل شهر أكتوبر — فعليها أن تمتنع عن استخدام هذا السلاح.
وأضاف: تظن أوروبا أن تفعيل "سناب‌ باك" سيضعف موقف إيران في المفاوضات، كما كانت تعتقد أن الهجوم على المنشآت النووية سيقوّض قدرتنا التفاوضية. هذا تصوّر خاطئ؛ لا الهجمات العسكرية ولا "سناب‌ باك" سيضعفان موقف إيران، بل سيقضيان على دور أوروبا في هذا الملف تماماً.
أمريكا عقدت المسألة النووية
وتابع عراقجي: كان الملف النووي الإيراني يسير نحو حل سلمي، لكن الآن، مع اندلاع الحرب وسفك الدماء، تغيرت الظروف تماماً، ولم يعد من السهل التوصل إلى اتفاق كما في السابق.
وأضاف: الخطأ الأمريكي لم يساعد على حل الملف النووي، بل جعله أكثر تعقيداً وصعوبة. وينطبق هذا أيضاً على أوروبا. فإذا لجأت أوروبا إلى تفعيل "سناب‌ باك"، فإنها لن تفعل سوى تعقيد الوضع أكثر.
وتابع: في اجتماع الجمعة وفي الاتصالات اللاحقة، أبلغنا الأطراف الأوروبية بوضوح أن هذا السلاح لن يُستخدم ضد إيران، بل ستكون له نتيجة عكسية، وسيُقصيهم من مسار الحل والمفاوضات.
وأضاف: بعض الأطراف الأوروبية أيضاً أقرت بذلك، وطالبت بمزيد من النقاشات لتوضيح عواقب هذا القرار.
لا نية حالياً لاستقبال غروسي
وفيما يخص العلاقات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطلب غروسي زيارة طهران، قال عراقجي: في الوقت الحالي، لا توجد خطة لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية لاستقبال السيد غروسي. كما يجب دراسة مسألة وجود المفتشين بعناية، للتأكد من توافقها مع أحكام القانون الذي أقره البرلمان الإيراني. وإذا ثبت هذا التوافق، فقد يُتخذ قرار بهذا الشأن.
وأضاف: في الوضع الراهن، ومع ما تعرضت له بعض المنشآت النووية من دمار، فإن عمليات التفتيش تعني عملياً جمع معلومات دقيقة حول حجم الأضرار.
وتابع: إن الأضرار كانت كبيرة وجسيمة بشكل عام، لكن القرار النهائي بشأن هذا الموضوع يجب أن يُتخذ في إطار المجلس الأعلى للأمن القومي وضمن القوانين المحلية.
إيران تفرّق بين القواعد الأمريكية ودول المنطقة
السياسة الإيرانية قائمة على تعزيز العلاقات الودية مع الجيران
وقال وزير الخارجية الإيراني إن الضربة الأخيرة التي وجّهتها إيران إلى القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة كانت ردًّا مباشرًا على تهديدات واشنطن، ولم تكن تحمل أي رسالة أو استهداف ضد الدول العربية المجاورة.
وأضاف: "بعد تنفيذ الضربة، أعربت بعض الدول، مثل قطر، عن انزعاجها، وهو أمر طبيعي، لكننا شدّدنا على أن ردّنا كان موجّهًا فقط ضد أمريكا وقواعدها، ولا خصومة لنا مع حكومات المنطقة".
كما كشف أن لدى إيران وثائق تُثبت أن القواعد الأمريكية في المنطقة — حتى وإن كانت دون علم الحكومات المضيفة — لعبت دورًا في دعم إسرائيل.
وأكد عراقجي أن إيران حرصت على التمييز بين الموقف من أمريكا وبين علاقاتها مع دول الجوار، وأن معظم هذه الدول قبلت هذا المنطق ولن تسمح باستخدام أراضيها ضد إيران.
وأوضح أن السياسة الخارجية الإيرانية ترتكز على تعزيز علاقات حسن الجوار، وخاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي، والعراق، وحتى مصر.
طهران والقاهرة تسيران نحو إعادة بناء العلاقات
وقال وزير الخارجية الإيراني إن العلاقات الحالية بين إيران ومصر "أعمق وأكثر فاعلية من العديد من العلاقات الرسمية التي تربطنا بدول أخرى"، على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين.
وأضاف أن حجم الزيارات، والتعاون، والتواصل — خاصة في ما يتعلق بالملفات الإقليمية والقضايا المهمة مثل الحرب الأخيرة — كان ملحوظًا ومؤثرًا.
وأكد أن إيران تنظر إلى مصر باعتبارها دولة كبيرة وفاعلة في العالم الإسلامي والمنطقة، وتطمح إلى توسيع نطاق التعاون معها.
ومع ذلك، شدّد عراقجي على أن طهران "لا تتعجل" في مسألة استئناف العلاقات الرسمية، و"تترك قرار ذلك للحكومة المصرية".
واختتم بالقول إن مستوى التعاون القائم مع مصر، حتى في غياب علاقات دبلوماسية رسمية، "أفضل وأكثر فعالية من كثير من العلاقات الرسمية الأخرى التي نملكها حاليًا