موقع أنصار الله- تقرير 

في غزة المحاصرة والمدمرة كلياً، تتمكن المقاومة الفلسطينية من تغيير معادلة المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، من خلال كمين مركب نفذته كتائب القسام في بيت حانون شمال القطاع، ما أسفر عن سقوط العشرات من جنود العدو الإسرائيلي بين قتيل وجريح.
العملية النوعية، التي تتقاطع فيها التكتيكات الميدانية مع الدقة الاستخباراتية، تعيد ترتيب قواعد الاشتباك، وتُحدث إرباكًا عسكريًا وسياسيًا غير مسبوق داخل مؤسسات الاحتلال الإسرائيلي. 
وفق ما أعلنت كتائب القسام في بياناتها، فقد جرى تفخيخ منزل مُسبقًا بعد رصد تحركات لقوة هندسية تابعة للعدو، تلاها تفجير المبنى بالكامل بعد دخول القوة إليه، ما أدى إلى مصرع عدد من الجنود لتقوم الخطوة الثالثة باستهداف ناقلتي جند بمحاذاة موقع التفجير، باستخدام عبوات شديدة الانفجار من نوع "شواظ".
أما الخطوة الرابعة فتمثلت في محاصرة قوة إنقاذ صهيونية جاءت لانتشال المصابين، ثم استهدافها بعبوة ثالثة مزروعة في حقل ألغام، الأمر الذي جعل تلك الخطوات الأربع الاستراتيجية مثالًا حقيقياً لما يُعرف بـ "الكمين المركّب"، حيث حولت كل رد فعل عسكري إلى فرصة قتل مضاعفة.
هذه العملية النوعية مثلت حدثاً صادماً وغير متوقع للكيان الإسرائيلي، لتعيد سيناريو السابع من أكتوبر 2023م للواجهة، بعد أن سعى العدو إلى طمس تلك الحادثة المؤلمة والغير مسبوقة منذ اغتصاب الكيان الأراضي الفلسطينية في العام 1948م.
ورغما عن التعتيم الإسرائيلي، تكشف تسريبات إعلامية عبرية عن مقتل ما لا يقل عن 10 جنود، وإصابة أكثر من 15 آخرين، بينهم ضباط من وحدة "الاستطلاع الهندسي"، فيما أقرت القناة 12 العبرية بأن "الجيش" وقع في فخ محكم أدى لخسائر غير مسبوقة خلال الأيام الماضية، الأمر الذي دفع سياسيين ومحللين عسكريين صهاينة إلى وصف الكمين بأنه إخفاق استخباراتي وهندسي للكيان.

حكومة الكيان تخسر ثقة المستوطنين

في الداخل الصهيوني تتصاعد حدة الخلافات بين المستوطنين الصهاينة إزاء إطالة أمد الحرب على قطاع غزة، لتأتي عملية بيت حانون كعامل إضافة أسهم في تعزيز تلك الخلافات، ويبقى التساؤل السائد في الأراضي الفلسطينية المحتلة عن جدوى الاجتياح البري لغزة. لسان حال المغتصبين الصهاينة ما الذي حققناه في غزة؟  لا شي سوى الاستنزاف البشري للجنود!
وتسهم هذه الخلافات في مفاقمة الضغط الشعبي على حكومة المجرم نتنياهو، التي أصبحت غير موثوق بها في الداخل الإسرائيلي.
ووفق خبراء في الشؤون الإسرائيلية فإن كمين بيت حانون أدخل المؤسسة العسكرية للكيان في دوامة تساؤلات داخلية، أبرزها لماذا فشلت التكنولوجيا في كشف العبوات؟ ولماذا لم تُحمى وحدات النخبة؟، مشيرين إلى أن هذه العملية قد تسهم في إعادة تقييم جدوى استمرار العملية البرية جنوب القطاع.
ويؤكد الخبراء أن تصاعد ضغط الغاصبين في الداخل الصهيوني أدى إلى انقسام داخل حكومة المجرم نتنياهو، وسط دعوات لوقف العمليات البرية، أو السعي إلى هدنة ذكية تحفظ ماء وجه العدو المنهك منذ اندلاع طوفان الأقصى.

المقاومة تعيد رسم معادلات الاشتباك

عسكرياً تمثل عملية بيت حانون صفعة مدوية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي لطالما حاول الحفاظ على صورة القوة المتفوقة ميدانيًا.
 وتشير التحليلات إلى أن وحدة الهندسة التي سقطت في الكمين هي من أبرز الوحدات المختصة في تفكيك العبوات، وبالتالي فإن ضعف القدرة على اكتشاف المصائد الأرضية والأنفاق يعكس تراجعًا تقنيًا أمام تطور المقاومة.
ويعكس نجاح الكمين المركب بمراحله الأربعة فشل مخطط "الاقتحام الحذر"، ما يفتح تساؤلات عدة حول جدوى توسيع العمليات البرية الممتدة داخل غزة.
وبحسب محللين عسكريين، فإن الخسائر في هذا النوع من الكمائن تعني أن الكيان الإسرائيلي بات أمام معضلة تكتيكية واستراتيجية؛ فاستمرار التوغلات يعرضه لخسائر أكبر، بينما الانسحاب دون حسم يظهره في موقف ضعف.
ويوحي تصاعد عمليات الكمائن المركبة والمتنوعة بانتقال فصائل المقاومة من حالة الدفاع إلى المبادرة الميدانية المدروسة، فبدل الاكتفاء بالصمود، باتت تنفذ عمليات تحاكي أساليب الجيوش النظامية في التخطيط والتنفيذ.
ويرى محللون عسكريون أن كمين بيت حانون أثبت ميدانيا فشل العقائد القتالية التي روج لها الكيان المؤقت لعقود، لاسيما وأن المقاومة لم تعد فقط ترد على العدوان، بل تبادر بعمليات مركّبة تفوق ما تمتلكه جيوش نظامية من خبرة.
معارك غزة التي تدور رحاها حتى اللحظة أسقطت السردية العسكرية الصهيونية أمام إرادة شعب لا يملك طائرات ولا أقمارًا اصطناعية، بل يملك الإرادة والكرامة ليثبت بنيران المقاومة أن لا مستقبل آمنا لمشروع الهيمنة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.
وتجمع تحليلات عسكرية غربية على أن كمين بيت حانون  أسقط هيبة الكيان الصهيوني أمام العالم، مؤكدة أن المقاومة الفلسطينية تقدم نموذجًا حديثًا لحروب العصابات الذكية، باستخدام تكتيكات الجيوش. 
ميدانياً تترجم كمائن المقاومة فلسفة الاستنزاف الذكي، حيث تُجبر جنود الاحتلال الإسرائيلي على الدخول إلى أرض لا يتحكم بها، ليُستنزف جنوده في مساحات مجهولة، وهو ما يعرف بالتحول النوعي في ميزان المواجهة.

كمين غير حسابات الصهاينة

سياسياً تبعث عملية بيت حانون رسائل استراتيجية مفادها أن المقاومة تملك زمام المبادرة، بينما يقف العدو الإسرائيلي في مواجهة أزمة مركّبة: عسكرية وسياسية، ومعنوية. ومع تصاعد الضغوط الدولية والداخلية، يبدو الكيان المؤقت أمام مفترق حرج: إما الانخراط في مسار تفاوضي من موقع ضعيف، أو التورط أكثر في حرب استنزاف لا مخرج منها.
في المجمل يبقى كمين بيت حانون  علامة فارقة في مسار الحرب، ليس فقط لحجم الخسائر، بل لما كشفه من هشاشة المنظومة العسكرية التابعة للكيان المؤقت، وقدرة المقاومة على المبادرة في الزمان والمكان، وبأدوات جديدة، ما يجعل من استمرارية الحرب عاملاً أساسيا في مواصلة استنزاف الكيان بشرياً ومادياً.