تقرير
في غزة، لا تحتاج إلى عدّ الضحايا.. يكفي أن تتنفس لتشعر برائحة الموت التي تتسلل من كل ركن في المدينة المحاصرة. منذ أكثر 21 شهراً، يتعرض القطاع لعدوان إسرائيلي غير مسبوق.
وزارة الصحة الفلسطينية أعلنت وصول 88 شهيدًا (منهم 12 شهيد انتشال)، و374 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الـ 24 ساعة الماضية؛ جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وأفادت أن عدد ما وصل إلى المستشفيات خلال الـ24 ساعة الماضية من شهداء المساعدات بلغ11 شهيدًا وأكثر من 36 إصابة، ليرتفع إجمالي شهداء لقمة العيش ممن وصلوا المستشفيات إلى 1,132 شهيدًا وأكثر من 7,521 إصابة.
وفي ما يتعلق بضحايا التجويع أكدت الوزارة أن مستشفيات قطاع غزة سجّلت 6 حالات وفاة جديدة خلال الـ24 ساعة الماضية نتيجة المجاعة وسوء التغذية، ليصبح العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية 133 حالة وفاة، من بينهم 87 طفلًا.
ووفق البيان بلغت حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 حتى اليوم 8,657 شهيدًا 32,810 إصابة. كما ارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 59,821 شهيدًا و144,851 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م.
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة حذّر من كارثة إنسانية غير مسبوقة وشيكة يرتكبها العدو في قطاع غزة. حيث يُواجه أكثر من 100,000 طفل -أعمارهم أقل من عامين، بينهم 40,000 طفل رضيع أعمارهم أقل من عام واحد- خطر الموت الجماعي الوشيك خلال أيام قليلة، في ظل انعدام حليب الأطفال والمكملات الغذائية بشكل كامل، واستمرار إغلاق المعابر ومنع دخول أبسط المستلزمات الأساسية.
الوضع في غزة تخطى كل حدود الإنسانية. إنها ليست مجرد أزمة إنسانية، بل مجزرة مستمرة بحق شعب كامل، يُذبح ببطء على مرأى ومسمع من العالم. ومع كل صمت جديد، يسقط طفل آخر، ويموت حلم بالحياة.
في أزقة المخيمات المدمّرة، تسير أمٌ تحمل بين يديها طفلًا لا يقوى على البكاء. “لم يأكل منذ يومين”، تقول بصوت متقطع، "كل ما أملكه هو ماء مسلوق من قشر البطاطا". أمثالها كثيرون في غزة اليوم، حيث أصبح الطعام ترفًا، والماء النظيف أمنية، والدواء حلماً بعيدًا.
رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر أكدت أن حجم المعاناة في غزة والتجريد من الكرامة تجاوز كل المعايير القانونية والأخلاقية فكل دقيقة تمر دون التوصل لوقف إطلاق نار تعني إزهاق أرواح مزيد من المدنيين. مؤكدة أن أطفال غزة يموتون بسبب شح الغذاء، والعائلات تفر مرارا بحثا عن أمان غير موجود.
منظمة العفو الدولية أوضحت أنه -ورغم الشهادات المروعة- لا تزال حملة التجويع الجماعي والإبادة الجماعية التي تنفذها "إسرائيل" في غزة مستمرة، حيث يعيش الفلسطينيون في دوامة من الأمل والانكسار في انتظار المساعدات، ووقف إطلاق النار، وللبقاء على قيد الحياة.
الأمين العام للأمم المتحدة وصف ما يحدث في غزة بأنه ليس مجرد أزمة إنسانية، بل أزمة أخلاقية تتحدى الضمير العالمي، ووصل الوضع إلى أن موظفي الأمم المتحدة في غزة يتضورون جوعا.
ليست هذه قصة من رواية حزينة، ولا مشهدًا من فيلم مأساوي. هذه غزة: مدينة تحترق بصمت، بينما يراقبها العالم وكأن ما يحدث فيها مشهد عابر في نشرة أخبار. في غزة لا يُعد القتلى بالأرقام فقط، بل يُعدّون بالقلوب المنكسرة، بالأمهات الثكالى، وبالصرخات التي تُخنق قبل أن تُسمع.
المفوض العام لوكالة "الأونروا" أكدت أن الناس في غزة ليسوا أمواتًا ولا أحياءً، إنهم جثثٌ تتحرك، حيث يعاني طفل من كل خمسة أطفال من سوء التغذية في مدينة غزة، مع تزايد الحالات يوميًا، مضيفة أن معظم الأطفال الذين تستقبلهم طواقم الوكالة يعانون من الهزال والضعف، وهم معرضون بشدة لخطر الموت إذا لم يحصلوا على العلاج الذي يحتاجونه بشكل عاجل.
وأضافت أن التقارير تشير إلى وفاة أكثر من 100 شخص بسبب الجوع، معظمهم من الأطفال. وأن الأزمة طالت الجميع، بمن فيهم أولئك الذين يحاولون إنقاذ الأرواح في القطاع الذي مزقته الحرب (الإسرائيلية). وعندما لا يتمكن مقدمو الرعاية من إيجاد ما يسدّ رمقهم، فإن النظام الإنساني بأكمله يبدأ بالانهيار. وأضافت أن الآباء جائعون جدًا لدرجة أنهم لا يستطيعون رعاية أطفالهم، والعائلات لم تعد قادرة على التأقلم، إنها تنهار، عاجزة عن البقاء على قيد الحياة، وجودهم نفسه بات مهددًا. وأكدت أن لدى المنظمة ما يعادل 6000 شاحنة محملة بالمواد الغذائية والطبية في الأردن ومصر تنتظر الإذن للدخول.
كل صباح يحمل رقمًا جديدًا من الشهداء. الأرقام تتضاعف، ولكن ماذا عن الذين ما زالوا أحياء؟ أولئك الذين يعيشون كل يوم وكأنه آخر أيامهم؟ الذين ينامون على صوت القصف، ويصحو أطفالهم على مشهد أمهم تبكي لأنهم لم يأكلوا؟.
المستشفيات أصبحت مقابر مؤقتة! لا أدوية، لا غذاء، لا كهرباء. الأطباء هناك لا يبكون، فقط يعملون بصمت لأنهم يعرفون أن البكاء لم يعد ينقذ أحدًا. في إحدى الغرف، طبيبة كانت تحاول إنقاذ طفلة مصابة بشظايا، لكن التيار انقطع، فلم تستطع سوى احتضانها وهي تموت.
في شوارع غزة، يقف الناس في طوابير لساعات من أجل رغيف خبز. لا أحد يتحدث، لا أحد يضحك. الأطفال لا يركضون، صار اللعب من الرفاهيات. فتاة صغيرة تحمل جرة ماء وتبكي، لأن الماء "مُر" كما قالت. لكنه الوحيد المتاح.
هل يسمعنا أحد؟ "نحن لا نريد شيئًا من العالم سوى أن يُنقذنا"، قالت أم شهيد وهي تجلس فوق أنقاض بيتها، وتحمل صورة طفلها كأنها آخر قطعة من قلبها. "لقد دفنته بيدي، ولم يكن قد أتم عامه الثالث."
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أكد أن هناك 1200 مسن توفوا في غزة نتيجة التجويع، وآلاف مهددون بالموت مع استمرار الحصار الإسرائيلي. مشيرا إلى أن مئات المسنين يصلون يوميًا للمستشفيات ومراكز الرعاية الأولية وهم في حالة إجهاد وإنهاك شديدين، في محاولة للحصول على سوائل تغذية طبية.
وأكد أن فريقه الميداني وثّق وفاة عشرات المسنين في خيام النزوح، نتيجة تداعيات المجاعة أو عدم توفر العلاج، وفي معظم الحالات يتم تسجيل هؤلاء الضحايا كحالات وفاة طبيعية، لعدم وجود آلية واضحة لتسجيلهم ضمن ضحايا الإبادة، وكذلك لميل ذوي الضحايا لدفن ذويهم مباشرة. مضيفا أن فريقه وثق شهادات مؤلمة عن مسنين توفوا وآخرين تدهورت حالتهم الصحية بسبب التجويع والحرمان من العلاج. مؤكدا أن الأزمة الإنسانية في غزة بلغت مستويات كارثية، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الخدمات الأساسية.
وكشف ضابط أمريكي متقاعد من القوات الخاصة عن مشاهداته لجرائم حرب ارتكبتها قوات العدو الإسرائيلي خلال تأديته لمهامه ضمن مشروع توزيع المساعدات الغذائية في قطاع غزة، وقد استقال احتجاجًا على "الوحشية المفرطة" في التعامل مع المدنيين الجائعين.
وقال الضابط المتقاعد، أنتوني أغيلار، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إنه شاهد قوات العدو تطلق النار على حشود الفلسطينيين في نقاط توزيع المساعدات، وتستهدفهم بقذائف المدفعية رغم أنهم عُزّل ويبحثون عن الغذاء.وأضاف: "لم أرَ في حياتي هذا المستوى من الوحشية واستخدام القوة دون تمييز، ودون ضرورة، ضد مدنيين يتضورون جوعًا".
في غزة، لا يوجد وقت للبكاء. الأطفال يموتون بصمت، والموتى يُدفنون دون جنازات، والأمهات يتحولن إلى مقاتلات ضد الجوع والخوف. كل هذا الإجرام والوحشية في عصر يقال عنه عصر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فهل تعي الشعوب أنها ضحية زيف الدعايات الصهيونية؟