موقع أنصار الله . تقرير
سبعمائة يوم من العدوان الصهيوني على قطاع غزة مرت وكأنها عقود من النار والجحيم. سبعمائة صباح لم يشرق فيها سوى دخان الغارات الصهيونية ورائحة البارود الأمريكي، سبعمائة مساء لم يعرف الغزيون للنوم طعما إلا تحت هدير المدافع وجنازير الدبابات وأزيز الطائرات وأصوات الانفجارات. هناك، حينما يضيق البحر على أبنائه، وتضيق الأرض بأحلامهم، ويقف أكثر من 2.4 مليون إنسان في مواجهة حرب إبادة هي الأطول والأقسى في ذاكرة العالم الحديث، فلا يخالجنك شك أن المجرم صهيوني يهودي لا يعرف للإنسانية معنى.
(268.000) وحدة سكنية دُمرت بشكل كلي. (148.000) بشكل بليغ. بمتوسط: (594) وحدة سكنية في اليوم، و(25) في الساعة. آلة القتل الصهيونية لم تبق شيئاً في غزة إلا ومحته: منازل وأبراج سكنية، مدارس وجامعات ومؤسسات تعليمية، مستشفيات ومراكز صحية، محطات كهرباء وآبار مياه وطرقات، وحتى ملامح الطفولة. تسعون بالمئة من القطاع دُمّر، وأكثر من 68 مليار دولار من الخسائر سجّلت كأرقام، لكنها في الحقيقة حياة كاملة انهارت؛ مدن تحوّلت إلى أنقاض، وأحياء صارت ركاماً، وأحلام تكسّرت على أبواب الخيام.
البيانات تكشف أكثر وأكثر: (64,300) شهيدا بينهم: (20,000) طفل، (12,500) امرأة.(1,009) أطفال وكانت أقل من عام واحد. (450) طفلاً رضيعاً وُلِدوا واستشهدوا خلال حرب الإبادة الجماعية. (1,670) من الطواقم الطبية. (139) من الدفاع المدني. (248) صحفيا. (173) من موظفي البلديات. (+780) شهيداً من شرطة وعناصر تأمين مساعدات. (860) من الحركة الرياضية.
المأساة في غزة ليست فردية، بل جماعية. آلاف الأسر أُبيدت بالكامل؛ 2700 عائلة مُسحت من السجلات، لم يبقَ لها اسم ولا ظل. وأسر أخرى لم ينجُ منها إلا فرد وحيد يروي وجع الفقد؛ أكثر من 6 آلاف عائلة هلك أفرادها وبقي واحد فقط يتيم العائلة كلها.
في كل بيت قصة، وفي كل قصة دمعة. لم يعد هناك فرق بين اسم العائلة والعدد في دفتر الشهداء، فالعدو الإسرائيلي أراد أن يمحو الذاكرة قبل أن يمحو الأجساد.
بيانات الإبادة تحوي مزيدا من الإجرام: (39,000) أسرة تعرضت للمجازر. (2,700) أسرة أُبيدت ومُسحت من السجل المدني (بعدد 8,563 شهيداً). (6,020) أسرة أُبيدت ومُتبقٍّ منها ناجٍ وحيد (بعدد 12,911 شهيداً). (+55%) من الشهداء هم من الأطفال والنساء والمسنين. (376) شهيداً بسبب الجوع وسوء التغذية، بينهم (134) طفلاً. (23) شهيداً بسبب عمليات الإنزال الجوي للمساعدات. (17) شهيداً بسبب البرد في مخيمات النزوح القسري، (منهم 14 طفلاً).
من لم يستشهد لم ينجُ بالضرورة. أكثر من 162 ألف جريح يرقدون في المستشفيات، كثير منهم بلا علاج كافٍ ولا أمل في الشفاء. نحو 19 ألفاً يحتاجون إلى تأهيل طويل الأمد، لكن من يملك في غزة ترف الزمن والعلاج؟
آلاف الأجساد فقدت أطرافها؛ 4800 حالة بتر بينهم (18% أطفال). فتحولت ألعابهم إلى عكازات. وهناك من فقد بصره (1200 حالة)، أو أصيب بالشلل (1200)، ما يؤكد سعي العدو ليسرق منهم حتى القدرة على النظر إلى السماء أو المشي نحو الغد.
(1,200) حالة فقدان البصر. (429) مصابا من الصحفيين. (21,182) مجموع أرامل الحرب (اللواتي استشهد أزواجهن). (56,320) مجموع الأطفال الأيتام (أطفال بلا والدين أو أحدهما). (+2,142 مليون) حالة أصيبت بأمراض معدية مختلفة نتيجة النزوح القسري. (+71,338) حالة أصيبت بمرض الكبد الوبائي.
القتل لم يأتِ فقط من السماء، بل من الجوع أيضاً. 376 إنساناً ماتوا لأنهم لم يجدوا لقمة تسند حياتهم، بينهم 134 طفلاً ماتوا جوعاً في زمن الوفرة. حتى المساعدات الإنسانية تحولت إلى لعنة؛ 23 شخصاً استشهدوا بسبب إنزال جوي.
المرض أيضاً صار سيفاً آخر؛ 41% من مرضى الكلى فقدوا حياتهم بسبب انعدام العلاج. النساء دفعن الثمن مرتين؛ مرة بفقدان الأبناء، ومرة بأجسادهن المنهكة: 12 ألف حالة إجهاض جراء نقص الغذاء والرعاية.
أما النزوح القسري فقد حوّل المخيمات إلى مقابر صامتة؛ البرد قضى على 17 روحاً، بينهم 14 طفلاً لم تتحمل أجسادهم الصغيرة قسوة الشتاء.
المشهد لا يمكن تصوره: هنا نقف مع بعض إحصائيات مكتب الإعلام الحكومي حتى نستشعر حجم الكارثة:
(186) يوماً على إغلاق العدو التام لجميع معابر قطاع غزة. (111,600) شاحنة مساعدات إنسانية ووقود منع العدو دخولها لقطاع غزة. (46) تكية طعام استهدفها العدو في إطار فرض سياسة التجويع. (61) مركزاً لتوزيع المساعدات والغذاء استهدفها العدو في إطار فرض التجويع. (67) شهيداً من المبادرين والقائمين على العمل الخيري. (128) عدد مرات استهداف العدو لقوافل المساعدات والإرساليات الإنسانية. (2,362) شهيداً قتلهم العدو في "مصائد الموت"، وأكثر من (17,434) إصابة، وأكثر من 200 مفقودٍ.
(650,000) طفل معرّضون للموت بسبب سوء التغذية والجوع ونقص الغذاء. (40,000) طفل رضيع "أقل من عام" مهددون بالموت جوعاً بسبب انعدام حليب الأطفال. (250,000) علبة حليب يحتاجها أطفال قطاع غزة شهرياً يمنع العدو إدخالها. (22,000) مريض بحاجة للعلاج في الخارج ويمنعهم العدو من السفر. (5,200) طفل يحتاجون إجلاءً طبياً عاجلاً لإنقاذ حياتهم. (17,000) مريض أنهوا إجراءات التحويل وينتظرون سماح العدو لهم بالسفر. (12,500) مريض سرطان يواجهون الموت وبحاجة للعلاج. (350,000) مريض مزمن في خطر بسبب منع العدو إدخال الأدوية. (3,000) مريض بأمراض مختلفة يحتاجون للعلاج في الخارج. (107,000) سيدة حامل ومرضعة مُعرَّضة للخطر لانعدام الرعاية الصحية.
لم يسلم القطاع الصحي من الإبادة: 38 مستشفى دُمّرت أو خرجت عن الخدمة، و197 سيارة إسعاف استُهدفت. الأطباء صاروا شهداء، والمرضى تُركوا بين الموت والحصار. أما التعليم، فصار جزءاً من الركام: 95% من مدارس غزة أصابها الدمار، وأكثر من 160 جامعة ومدرسة سوّيت بالأرض.
استهدف العدو: (38) مستشفى. (96) مركزاً للرعاية الصحية. (197) سيارة إسعاف. (788) هجوماً على خدمات الرعاية الصحية. (61) مركبة للدفاع المدني. (95%) من مدارس قطاع غزة لحقت بها أضراراً مادية نتيجة القصف والإبادة. (+90%) من المباني المدرسية تحتاج إلى إعادة بناء أو تأهيل رئيسي.
كما دمر العدو: (662) مبنى مدرسياً .(163) مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية مدمرة كليا. (388) مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية مدمرة جزئياً. (+13,500) عدد الطلبة الشهداء. (+785,000) عدد الطلبة الذين حرمهم العدو من التعليم. (+830) معلماً وكادراً تربوياً. (+193) عالماً وأكاديمياً وباحثاً قتلهم العدو.
لم يعد قطاع غزة كما كان؛ تسعة أعشار أرضه سويت بالأرض، وأكثر من أربعة أخماس مساحته وقعت تحت سيطرة العدو بالنار والتهجير. مدن كاملة انمحت، وقرى لم يبقَ منها سوى حجارة مخضبة بالدم. أكثر من 150 ألف طن من المتفجرات صُبّت على غزة، حتى صار حجم الدمار يعادل زلزالاً متواصلاً لم يتوقف منذ عامين.
الخسائر المادية تجاوزت 68 مليار دولار، لكن.. أيُّ رقم يستطيع أن يصف فقدان بيت كان يضم أحلام عائلة، أو مدرسة كانت تضحك جدرانها بأصوات الأطفال، أو مسجد كان يجمع المصلين على دعاء النجاة؟
حتى الأماكن التي وُصفت زوراً بأنها "مناطق آمنة" كالمواصي، لم تنجُ؛ أكثر من مئة مرة قُصفت، لتثبت أن لا مكان آمناً في غزة.
حسب بيان مكتب الإعلام الحكومي: 150,000 طن من المتفجرات صبها العدو فوق رؤوس المدنيين، أي ما يعادل عشرات القنابل النووية الصغيرة. هذا الكم من الإجرام أدى إلى تدمير: (268,000) وحدة سكنية بشكل كلي. (148,000) وحدة سكنية بشكل بليغ غير صالح للسكن. (153,000) وحدة سكنية بشكل جزئي. (288,000) أسرة فلسطينية بدون مأوى. (125,000) خيمة اهترأت كلياً وغير صالحة للإقامة من أصل (135,000). (2.4) مليون إنسان مدني تعرض للنزوح بسبب سياسة التهجير القسري. (273) مركزاً للإيواء والنزوح القسري استهدفه العدو.
بعد سبعمائة يوم، لم يعد في غزة مكان لم تطأه النار. لكنها رغم الجراح العميقة- ما زالت شاهدة على صمود لا ينكسر. غزة ليست مجرد مدينة تُحاصر أو تُقصف، بل هي حكاية شعب يقاتل من أجل الحق في الحياة، في وطن، في ذاكرة لا تمحى.
هنا، حيث تُطفأ الأنوار، يولد من تحت الركام شعاع يذكّر العالم أن غزة – برغم كل شيء – ما زالت تنبض.
لم يترك العدو الإسرائيلي شرياناً حيوياً إلا وبتره، إذ دمّر 725 بئراً مركزية للمياه، وأطفأ أنفاس 134 مشروعاً للمياه العذبة في عمليات قصف لم تكتفِ بتجفيف مصادر الحياة، بل ارتكبت في أثنائها مجازر دامية أزهقت أرواح أكثر من 9,400 شهيد، معظمهم من الأطفال.
أما الكهرباء -روح العصر الحديث- فقد حوّلها العدو إلى عتمة أبدية، مدمّراً 5,080 كيلومتراً من شبكاتها، وناسفاً 2,285 محولاً أرضياً وهوائياً، فيما تحوّل 235,000 عداد للمشتركين إلى ركام، ليُحرم القطاع من أكثر من 2,123 مليار كيلو وات/ساعة، أي ما يكفي لتغذية مدن بأكملها لسنوات.
شبكات المياه والصرف الصحي لم تنجُ من جنون القصف؛ فقد مُسح أكثر من 700,000 متر طولي لكلٍّ من الشبكات، ليغدو الماء الآتي من الحنفيات مشهداً من الذاكرة فقط. وعلى الطرق -حيث كانت الحياة تسير- دمّر العدو ما يزيد على 3 ملايين متر طولي من الشوارع، تاركاً غزة مدينةً محاصرة بالركام.
الاستهداف لم يتوقف عند ذلك؛ فالمباني الرسمية والرمزية لم تسلم، حيث انهار 244 مقراً حكومياً و292 منشأة رياضية، بما فيها ملاعب وصالات، في محاولة لكسر روح الصمود المجتمعي. وحتى التاريخ لم يُعفَ، إذ سقطت 208 مواقع أثرية وتراثية تحت قصفٍ أراد محو الذاكرة قبل أن يمحو الحاضر.
الأرض -التي طالما حملت خضرتُها رزقَ الناس- تحوّلت إلى أرضٍ محترقة. بلغت خسائر القطاع الزراعي المباشرة 2.8 مليار دولار، بعد أن دمّر العدو الإسرائيلي أكثر من 94% من الأراضي الزراعية، أي ما يفوق 167,000 دونم من أصل 178,000.
أحواض المياه الزراعية لم تسلم، حيث جرى تدمير 1,223 بئراً زراعية، فيما أحيلت 665 مزرعة للأبقار والأغنام والدواجن إلى رماد.
الخضروات التي كانت تتنفس في 93,000 دونم تقلصت مساحتها إلى 4,000 فقط، بينما الدفيئات الزراعية -التي تمثل روح الإنتاج- انهار منها أكثر من 85%.
الإنتاج السنوي من الخضروات الذي كان يتجاوز 405,000 طن، تراجع إلى 28,000 طن فقط، وهو انهيار شبه كامل للأمن الغذائي. أمّا البحر، فسُدّت أبوابه تماماً أمام الصيادين، إذ تضررت 100% من الثروة السمكية، ليُغلق الاحتلال آخر نافذة رزق كانت تطل على الأفق.
هكذا، على امتداد سبعمائة يوم، بدا العدوان الصهيوني كأنه معركة ضد الحياة ذاتها: ماءٌ يُدمَّر، كهرباء تُطفأ، أرضٌ تُحرق، وبحرٌ يُغلق. ومع كل رقمٍ من هذه الأرقام الفادحة يظهر وجه الإبادة بوضوح أكبر، إذ لا يترك الاحتلال في غزة سوى الركام، ولا يزرع إلا الموت.
الدمار الهائل في البنية التحتية والمرافق العامة كما وضحه مكتب الإعلام الحكومي: (725) بئر ماء مركزية مدمرة كليا. (134) مشروعاً للمياه العذبة استهدفها العدو، مُرتكباً خلالها مجازر أودت بحياة أكثر من (9,400) شهيد، غالبيتهم من الأطفال.
كما دمر العدو: (5,080) كيلو متر أطوال شبكات كهرباء. (2,285) عدد محولات توزيع كهرباء هوائية وأرضية. (235,000) عدادات المشتركين. (2,123) مليار كيلو وات/ساعة، كمية كهرباء حرم منها قطاع غزة طيلة الحرب.
ودمر العدو الإسرائيلي أيضا: (700,000) متر طولي شبكات مياه. (700,000) متر طولي شبكات صرف صحي. (+3) مليون متر طولي شبكات طُرق وشوارع. (244) مقراً حكومياً. (292) منشأةً وملعباً وصالة رياضية. (208) مواقع أثرية وتراثية.
بعد سبعمائة يوم، صارت غزة شاهداً على عجز العالم، وعلى صمت يرقى إلى التواطؤ. كل رقم هنا ليس مجرد إحصائية، بل جرح مفتوح. كل شهيد هو قصة لم تُكتب، وكل جريح هو حياة انكسرت، وكل يتيم هو مستقبل سُرق.
لكن، رغم كل شيء، غزة لا تنكسر. من تحت الركام يولد الأطفال من جديد، ومن بين الخيام تُكتب أشعار النصر، وعلى شواطئ البحر يلوح الأمل بأن الأرض -مهما احترقت- ستنبت من جديد. غزة اليوم ليست فقط قضية الفلسطينيين؛ إنها مرآة للإنسانية. من يصمت على إبادة 73 ألف روح، وعلى بتر أجساد آلاف الأطفال، وعلى تجويع الملايين، فعليه انتظار نفس المصير فالخطر الصهيوني يعم الجميع.