موقع أنصار الله . تقارير | يحيى الشامي

منذ سنوات سبقت حتى طوفان الأقصى، حذّر السيد القائد عبدالملك الحوثي مراراً وتكراراً من المخطط التوسعي للعدو الإسرائيلي الذي يستهدف أبناء أمتنا في وجودها ومقدراتها، ويعمل على تمديد وجوده من الشام إلى مصر إلى الحجاز، وفق رؤية توراتية محرّفة، وعقائد مشوّهة ومبيحة للدم والأعراض والأموال، تختزلها فكرة "إسرائيل الكبرى" التي ترسم حدوداً وهمية تمتد من النيل إلى الفرات، وتسعى لتحويل المنطقة إلى ساحة خالية من أية قيود وموانع تعيق مشروعه وتمنع توسّعه. يؤكّد السيد القائد في كلماته وخطبه أن كل مايقوم به العدو من بلطجة وانتهاك واعتداءات -ومنها الاغتيالات السياسية وانتهاك السيادات- ليست سوى أدوات لفرض معادلة "الاستباحة"، التي تُمهّد الطريق لتمدد العدو عبر زرع الفوضى وتدمير البنى القيادية للدول. اليوم، ومع تصاعد وتيرة الاعتداءات للعدو الإسرائيلي، تتجلى عدوانيته بوضوح من خلال سلسلة الاغتيالات التي تطال قادة المقاومة وعلماء الأمة في كل بقعة من أراضي الدول العربية والإسلامية، مُثبتاً أن ما حذّر منه السيد القائد ليس خصومة خاصة، أو تحليلاً يعبر عن وجهة نظر شخصية، بقدر ما هي رؤية قرآنية شاملة تبين أسباب الصراع وتضعه في سياقه الحضاري الواسع، مع استحضار الدور الأمريكي داعماً في الجهد والدور، بكونه شريكاً في المشروع الصهيوني التوسعي.

 

في هذه المادة نستحضر أبرز عمليات البلطجة الصهيونية التي مارستها منذ قيام الكيان المحتل، على سبيل تذكير بالعدو وعقليته غير القابلة لتتعايش، ولا الصالحة للبقاء:

 

في السابع من يونيو عام 1981، اخترقت مقاتلات تابعة للعدو الإسرائيلي أجواء العراق دون سابق إنذار، ودمرت مفاعل تموز النووي قرب بغداد بثمانِ طائرات من طراز "إف-16"، في عملية وصفها العدو آنذاك بـ"الضربة الاستباقية"، بينما أودت بحياة عشرة عراقيين وفني فرنسي. لم تمضِ سوى أشهر حتى تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 487 مُعلناً إدانة الهجوم، وطالب العدو بتعويض بغداد، لكن الرد كان مزيداً من الاستهتار بالقوانين، ففي الأول من أكتوبر 1985، عادت الطائرات الحربية التابعة للعدو الإسرائيلي لتمزق سماء تونس، مستهدفة مقرات منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط، فارضةً مجزرة راح ضحيتها 50 فلسطينياً و18 تونسياً، لتنال إدانة دولية جديدة عبر القرار 573 الذي اعتبرها "انتهاكاً سافراً للسيادة"، بينما كانت تونس تشهد مسيرات غاضبة ترفع شعارات تندد بـ"اليد التابعة للعدو الإسرائيلي التي لا تتردد في تحويل الأراضي التونسية إلى ساحة لتصفية الحسابات".

لم يكتفِ العدو الإسرائيلي بتلك الجرائم، ففي السادس عشر من أبريل 1988، تسلل فريق تابع للعدو الإسرائيلي من وحدة "سييرت متكال" بقيادة موشي يعلون (الذي أصبح لاحقاً وزير حرب الكيان) إلى تونس عبر زوارق بحريّة، واغتال القيادي الفلسطيني خليل الوزير (أبو جهاد) داخل منزله بسيدي بوسعيد، في عملية استخدمت فيها أسلحة كاتمة للصوت وسفنًا متخفية، لتصبح هذه الجريمة نموذجاً يُحتذى به في عمليات الاغتيال اللاحقة. وبعد تسع سنوات في الخامس والعشرين من سبتمبر 1997، حاول جهاز الموساد التابع للعدو الإسرائيلي اختراق سيادة الأردن باغتيال القيادي في حماس خالد مشعل في شوارع عمّان، باستخدام سمٍّ قاتل عبر حقنة مُعدّة مسبقاً، لكن المحاولة فشلت بفضل تدخل الملك الراحل حسين بن طلال، الذي اشترط على العدو إحضار الترياق مقابل الإفراج عن العميلين، وأسفرت الأزمة عن إفراج العدو عن الشيخ أحمد ياسين، مُسلّماً ضمناً بفشل مخططه.

وفي الثاني عشر من فبراير 2008، اخترق جهاز الموساد التابع للعدو الإسرائيلي سيادة سوريا مجدداً باستهداف القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية في حي كفر سوسة بدمشق عبر عبوة ناسفة مُثبتة بسيارته، في عملية أثارت موجة غضب لبنانية وإيرانية. ليعود العدو بعد عامين ويُضاعف جرائمه في سوريا، ففي التاسع عشر من يناير 2010، نفذ جهاز الموساد التابع للعدو الإسرائيلي عملية مُحكمة في دبي لاغتيال القيادي الحمساوي محمود المبحوح داخل غرفته بفندق برج الأطلسي، مستخدماً 11 جواز سفر أوروبياً مزوراً، وكاميرات مراقبة كشفت لاحقاً تحركات الفريق عبر المطارات والفنادق، لتتحول العملية إلى فضيحة دولية عرضت شرطة دبي تفاصيلها على الهواء مباشرة، مُعلنةً أن "العدو الإسرائيلي يُمارس الإرهاب المنظم تحت غطاء العمل الاستخباراتي".

لم تتوقف يد العدو الإسرائيلي عند الدول المجاورة، ففي الخامس عشر من ديسمبر 2016، اغتيل المهندس التونسي محمد الزواري أمام منزله بصفاقس بإطلاق عشرين رصاصة من سلاح كاتم للصوت، في عملية نسبها خبراء إلى الموساد التابع للعدو الإسرائيلي نظراً لدور الزواري في تطوير طائرات "أبابيل" المسيرة لصالح المقاومة الفلسطينية، بينما كانت السلطات التونسية تعتقل خمسة أشخاص يشتبه بتورطهم، دون أن تُحقّق العدالة في الجريمة.

وبعد عامين، وفي الحادي والعشرين من أبريل 2018، تكرر السيناريو في ماليزيا باستهداف المهندس الفلسطيني فادي البطش قرب منزله بكوالالمبور أثناء توجهه لصلاة الفجر، ليعلن والده أمام وسائل الإعلام: "أؤكد مئة بالمئة أن الموساد التابع للعدو الإسرائيلي هو من قتله. فادي لم يكن له أعداء سوى العدو"، في إشارة إلى أن الاغتيالات باتت أداةً مُعترفاً بها في سياسة العدو الخارجية.

وفي السابع والعشرين من نوفمبر 2020، اخترق جهاز الموساد التابع للعدو الإسرائيلي الحصار الأمني المحيط بالعالم النووي الإيراني محسن فخري زاده قرب طهران، عبر كمين مُحكم استخدم فيه روبوتاً متفجراً، لتعلن طهران أن "الجريمة ستدفعنا إلى تسريع البرنامج النووي"، بينما كان العدو ينفي أي ضلوع رسمي، مُتحمّلاً في الواقع تبعات سياسة الاغتيالات المُمنهجة التي أقرّ بها ما يسمى وزير دفاعه السابق بيني غانتس حين قال: "الاغتيالات جزء من أدواتنا الاستراتيجية".

لكن النقطة الفاصلة في سلسلة الجرائم كانت مع بدء "معركة طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، حيث زادت وتيرة الاغتيالات بشكل غير مسبوق، بلغت فيها البلطجة الصهيونية ذروتها، متجاوزة كل الأعراف والقوانين الدولية الناظمة للعلاقات بين الدول، ففي لبنان، شن سلاح الجو التابع للعدو الإسرائيلي سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت أدت إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وقيادات بارزة أخرى، بينما كانت الأمم المتحدة تحذر من "انتهاكات جسيمة للقانون الدولي"، دون أن تتحرك فعلياً لوقف العدوان ، وفي الحادي والثلاثين من يوليو 2024، تخطى العدو كل الحدود الدبلوماسية باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، لترد طهران بقصف مواقع عسكرية تابعة للعدو، في ما يعرف بعملية الوعد الصادق.

لم تتوقف سلسلة الانتهاكات عند هذا الحد، ففي الثامن والعشرين من أغسطس 2025، استهدفت طائرات تابعة للعدو الإسرائيلي اجتماعاً روتينياً للحكومة اليمنية في صنعاء، ما أدى إلى استشهاد رئيس الحكومة وعدد من الوزراء، ليعلن السيد القائد عبدالملك الحوثي أن "هذه الجريمة تُثبت أن العدو لا يحترم أي سيادة، ويعتمد سياسة الاستباحة التي حذّرنا منها مراراً"، مُحذراً من أن "الرد سيكون أقسى"، وشدّد على استمرار الإسناد اليمني لغزة. وبعد عشرة أيام فقط، وفي الثامن من سبتمبر 2025، نفذ العدو الإسرائيلي أول هجوم صاروخي على الأراضي القطرية، مستهدفاً مقرات سكنية في الدوحة يقيم فيها قادة مقاومة فلسطينية، لتصدر الخارجية القطرية بياناً تؤكد فيه أن "العدوان يمثل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة"، بينما كانت وسائل إعلام العدو تُبرر العملية بما تدعي أنه "استهداف أهداف إرهابية"، مُتجاهلةً أن الدوحة كانت تلعب دور وساطة بين المقاومة والكيان.

جميع هذه العمليات تكشف ما استجلاه السيد القائد من قبل، أن العدو كيانٌ احتلالي توسعي، يسعى للسيطرة واستباحة المنطقة بأكملها "ليس غزة وحسب"، ولا يفرّق بين حليف وخصم، وشره يطال الجميع.

على مدار عقود، حوّل العدو الإسرائيلي الاغتيالات إلى لغةٍ يفهمها جيداً، واعتمدها مع العرب بسياسته الخارجية، مُستغلاً الدعم الأمريكي لفرض معادلة "الاستباحة"، والمتمثلة في اعتبار كل شبر من أراضي الدول العربية والإسلامية هدفاً مشروعاً. واليوم، تُثبت الوقائع -أكثر- أن مخطط "إسرائيل الكبرى" لم يعد مجرد رؤية أيديولوجية تدرّس في زوايا المعابد اليهودية بقدر ما باتت استراتيجية عملية تُنفّذ عبر ألف وسيلة وأداة، تبدأ من الاغتيالات والغارات، ولا تنتهي بضم الأراضي والتوسعات.