|| صحافة ||
لم يكن مفاجئاً أن تُقدم "إسرائيل" على استهداف وسائل الإعلام في اليمن، نظراً إلى ما باتت تؤدّيه الأخيرة من دور مؤثّر، ليس فقط في الميدان المحلّي والإقليمي، وإنما على الساحة الدولية أيضاً - رغم شحّ الإمكانات المالية والحصار الخانق ومحاولات منع الإعلاميين اليمنيين من التغطية خارج حدود وطنهم -، إلى حدّ بات يُنظر إليها فيه على أنها جزء أصيل من القوة القتالية لحركة «أنصار الله». والواقع أنّ الصور والفيديوهات العالية الجودة، التي ما فتئت تلك الوسائل تبثّها، أثبتت قدرتها على توجيه الرسائل النفسية والسياسية، وإجبار القوى الكبرى على التعامل معها في معركة الوعي العالمية.
ويشير القصف "الإسرائيلي" الأخير لوسائل الإعلام اليمنية، إلى أنّ "تل أبيب" لم تجد أداة فاعلة لاحتواء تأثير هذا الإعلام، سوى اللجوء إلى الهجوم المباشر على مقرّات الصحف ومراكز التوجيه المعنوي، وهو ما يعَدّ اعترافاً ضمنياً منها بأنها باتت تتعامل معه كسلاح إستراتيجي قادر على تهديد سرديّتها، وتشكيل الرأي العام السياسي، وإحداث ضغط معنوي على الداخل "الإسرائيلي"، خصوصاً من بوابة صورة المؤسسة العسكرية وسمعتها.
وكان إعلام حركة «أنصار الله» حوّل مشاهد إحراق السفن المرتبطة بـ"إسرائيل" وهي تغرق، إلى مادة بصرية ودعائية ذات أثر نفسي وسياسي مضاعف، مستثمراً الرمزية العالية للحدث في بناء سردية مقاومة عابرة للحدود، وصلت أصداؤها إلى الرأي العام الإقليمي والدولي. ورغم الرقابة المشدّدة، لم تستطع قيادة العدو إخفاء تلك المشاهد، التي رأت صحف من مثل «يديعوت أحرونوت» و«معاريف» أنّ بثّها يهدف إلى إظهار هشاشة الخطوط البحرية لإسرائيل وإضعاف ثقة الشارع بقدرة المؤسسة العسكرية على حمايته.
وإلى جانب ما تقدّم، تأتي مشاهد إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية، والتي غالباً ما تترافق مع أصوات صفّارات الإنذار ولقطات هروب "الإسرائيليين" إلى الملاجئ، ما يحدث حالاً من الإرهاق النفسي مشابهة لما عاشه الإسرائيليون في أثناء إطلاق صواريخ غزة و«حزب الله»، مع فارق البعد الجغرافي.
غير أنّ الاستهداف "الإسرائيلي" لم يكن الخطوة الوحيدة في معركة الوعي، إذ سبقته شكاوى متكرّرة من مسؤولين غربيين وأميركيين بشأن تأثير الإعلام اليمني على الرأي العام الغربي، لا سيّما عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومنذ اندلاع حرب غزة، اعتمد إعلام «أنصار الله» بصورة متزايدة على إنتاج محتوى مترجم إلى الإنكليزية، يشمل بيانات ومقاطع فيديو ووسوماً رقمية، من أبرزها مشهد الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية «غالاكسي ليدر»، الذي تمّ بأسلوب سينمائي عالي الجودة وأُرفق بترجمات وسرد باللغة الإنكليزية، ما مكّنه من الانتشار على نطاق واسع في الإعلام الغربي.
ومنذ مرحلة مبكرة، ربطت السردية اليمنية محتواها العسكري بحملات التضامن مع فلسطين في مدن كبرى مثل لندن ونيويورك وباريس وبقية المدن الغربية، عبر إعادة نشر صور ومقاطع من التظاهرات ودمجها بشعارات خاصة مثل «قادمون يا قدس»، في تلاقٍ رمزي بين الميدان والإعلام. وفي المقابل، اضطرّت بعض الصحف الغربية إلى الاعتماد على المواد اليمنية كمصدر أوّلي للأخبار، نظراً إلى جودتها وسبقها الميداني، وهو ما ساعد اليمن في فرض سرديّته في التغطية الإعلامية الدولية ولو جزئياً، واستجلب على الوسائل اليمنية محاولات حظر وإزالة حسابات على منصّات التواصل، سرعان ما كانت تتجاوزها عبر شبكات بديلة.
وفي ضوء ما تقدّم، لم يكن مستغرَباً تصاعد القلق الأميركي من الإعلام اليمني، وخصوصاً لدى «القيادة المركزية الأميركية» المسؤولة عن العمليات في اليمن، والتي عبّرت مراراً عن استيائها من المزاعم التي يروّج لها إعلام «أنصار الله»، واعتبرتها جزءاً من حملة تضليل تهدف إلى التأثير على الرأي العام الغربي. وفي آب 2024، اشتكى قائد الأسطول الخامس الأميركي من أنّ حملة التضليل الإعلامي تلك، شكّلت عنصراً أساسياً في إستراتيجية اليمن في البحر الأحمر، واستهدفت إضعاف مصداقية الولايات المتحدة وإثارة القلق بين الجمهور الغربي.
لقمان عبد الله: الاخبار اللبنانية