في يومٍ حُفر في صفحات الذاكرة الوطنية، خرج الشعب اليمني بالملايين على امتداد المدن والساحات والقرى؛ خرج شاهراً سيفه وسلاحه، يلوح بأعلامٍ وصورٍ وراياتٍ تفيض حزنًا ووفاءً، مسيراتٍ تجاوزت الألف في العاصمة صنعاء والمحافظات، تحت شعارٍ واحدٍ يتردّد في حنايا القلوب: «وفاءٌ للشهداء.. لن نتراجع في إسناد غزة مهما كانت التضحيات». كانت المسيرات امتدادًا لنبضٍ جماعيّ جمع بين الحزن والاحتفال، بين الذكرى والإعلان، بين التعبير الديني والقلق الوجودي على مصائر البشر.

في شوارع صنعاء كانت الأرض تُسمع خطوات الملايين: أقدامٌ متراصة، وأصواتٌ مدوّية، وصرخاتٌ توزّعت بين دعاءٍ ونداءٍ وسؤال. كانت المسيرات مهرجانًا من التأكيد على البقاء والكرامة والرفض لليأس؛ خارطةٌ بشريةٌ وسائطُها الأمل والامتثال لنداءٍ ديني وإنساني. تلاقت فيها أصوات الكبار والصغار والشيوخ والشباب، وامتزجت المشاعر بين الاستنكار لما يجري من قتلٍ وتدميرٍ، وبين إعلان العهد بالانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني مهما كانت الظروف والتحديات.

الساحات تحولت إلى مسارح لشهاداتٍ عالية النبرة؛ من ساحة المولد النبوي في مدنٍ كبرى إلى أزقة الأرياف، رفع المشاركون لافتات وسلاحاً، وانطلقت هتافاتٌ تندِّد بالإجرام الصهيوني وتدعو الجميع للتحرك الفاعل لاجتثاث السرطان الجاثم على صدر الأمة.

عهد بمواصلة الثبات

وأعلنت الحشود في المسيرة المليونية، التضامن مع حركة حماس ودولة قطر وكل بلد من بلدان الأمة يتعرض للاستهداف من قبل العدو الصهيوني الأمريكي. منددة بالعدوان الصهيوني على وفد حماس في العاصمة القطرية الدوحة، والذي يمثل انتهاكاً لسيادة دولة قطر.

وجددت الجماهير المحتشدة، العهد بمواصلة الثبات والموقف المناصر لقضايا ومقدسات الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وإسناد الأشقاء في غزة وفلسطين.

وأكدت الوفاء للشهداء بالمضي على نهجهم وتضحياتهم في مواجهة قوى الطغيان والاستكبار العالمي.. لافتة إلى أن دماء الشهداء تمثل دافعاً قوياً للشعب اليمني وأحرار الأمة لبذل المزيد من التضحيات ومواصلة طريق الجهاد حتى تحقيق النصر.

وأشارت الحشود إلى أن العدوان الصهيوني على العاصمة صنعاء ومحافظة الجوف لن يزيد الشعب اليمني إلا ثباتاً وعزيمة وإصراراً على مواصلة إسناد ونصرة الشعب الفلسطيني في غزة حتى إيقاف العدوان ورفح الحصار عن غزة.

وأعلنت التحدي للعدو الصهيوني المجرم، ورفض الاستباحة الصهيونية والأمريكية لدول وشعوب الأمة.. مؤكدة أن الشعب اليمني لن يتراجع عن موقفه الإيماني والأخلاقي في نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم مهما بلغت التضحيات.

كما أكد المشاركون في المسيرة المليونية أن أي اعتداء على أي بلد عربي أو إسلامي هو اعتداء على جميع شعوب الأمة.. داعين جميع الشعوب العربية والإسلامية إلى التحرك الجاد واتخاذ موقف قوي وموحد في مواجهة العربدة الصهيونية، وردع الكيان الإسرائيلي المجرم والغاصب، ودعم ونصرة الشعب الفلسطيني.

وجددت الحشود المليونية، الوفاء والولاء لرسول الأمة وسيد البشرية، بالسير على منهجه وجهاده في مواجهة أعداء الإسلام والمسلمين، ونصرة المظلومين والمستضعفين في غزة، والوقوف إلى جانب كل أبناء الأمة.

صوت من اليمن.. إلى غزة

وأوضح بيان صادر عن المسيرات، أنه واستجابة لله سبحانه وتعالى، وجهاداً في سبيله وابتغاء لمرضاته، واستجابة لرسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتلبية لدعوة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)، فقد خرج الشعب اليمني في مسيرات مليونية نصرة للشعب الفلسطيني المسلم المظلوم، وتضامناً مع كل المستهدفين من أبناء أمتنا الإسلامية، وتعبيراً عن ثباتنا في مواجهة العدو الإسرائيلي مهما كانت جرائمه واعتداءاته.

وأكد أن "ما يقدمه الشعب اليمني من تضحيات من مسؤولين أو مواطنين فإنه لله وفي سبيله، واستجابة له، وتقرباً إليه، وطاعة له في أشرف وأعظم معركة وفقه الله تعالى لخوضها، نصرة لغزة وهي أوضح مظلومية في هذا العصر، ودفاعاً عن أحد أعظم مقدسات الإسلام وهو الأقصى الشريف، وفي مواجهة أطغى طغاة الدنيا وأبشع مجرميها وهم اليهود الصهاينة، وفي إطار الواجب الديني الذي من يتنصل عنه فإنه يتنصل عن دينه، وفي إطار الضرورة والدفاع عن النفس والبلد والأمة والذي من يتراجع عنه فإنه يقبل بالاستعباد والاستباحة والإذلال للمجرمين الصهاينة".

وخاطب البيان أبناء غزة "نعلم مرارة الخذلان الذي تتعرضون له من أبناء أمتكم مع هول الإجرام الذي ينزله بكم عدوكم، ولكن اصبروا فإن الله لا يضيع أجر الصابرين، ونحن معكم ولن نترككم بإذن الله مهما كانت التضحيات، وندرك بأن ثمن المواقف العظيمة هي الدماء الزكية ولكن عاقبتها النصر الموعود والفتح المبين في الدنيا والآخرة، وأن عاقبة التفريط الذل والهوان في الدنيا والآخرة، والتاريخ يشهد والمستقبل سيثبت ذلك، وسيندم المتربصون والذين في قلوبهم مرض".

وتابع: "ونحن مازلنا في شهر ربيع النور والنبوة، وفي أجواء العودة الصادقة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي الوقت الذي تعيش فيه أمته حالة غير مسبوقة من الاستباحة والتفتت والتشرذم، ووفاء لدينه ومنهجه، نعلن أننا متمسكون بجهاده وصبره وتضحياته، وعنوانه الجامع الذي سمانا به وهو الإسلام، ومن هذا المنطلق نرفض واقع التقسيم والتفتيت الذي يفرضه الأعداء على الأمة، ونعتبر أنفسنا أمة واحدة وجسداً واحداً، ولها أعداء واضحون حددهم القرآن الكريم وهم اليهود والنصارى".

واعتبر البيان أي عدوان أو استباحة في أي شبر من بلدان أمتنا استهدافاً واستباحة للجميع، وأي شهيد يسقط في أي بلد هو شهيد الجميع.

وأشاد البيان بتصاعد العمليات العسكرية من قبل القوات المسلحة، والتي أصبحت مؤخراً بوتيرة أعلى وبزخم أكبر على عمق العدو، داعياً إياها إلى بذل المزيد من الجهود في التطوير والارتقاء للوصول إلى ما هو أعظم تأثيراً وأكثر فاعلية لردع الصهاينة، كما سبق وأن وفقهم الله لردع الأعداء الأمريكان والبريطانيين في البحر، وألحقوا بهم أقوى هزيمة سجلها تاريخ الحروب البحرية، حتى فروا وتركوا البحر حراً لأهله وطاهراً من رجس السفن الصهيونية والداعمة لهم.