موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الشامي
شكلت القمة العربية الإسلامية الطارئة -التي عقدت في الدوحة رداً على الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي القطرية- محطة فارقة، ليس فقط على صعيد المواقف العربية والإسلامية الرسمية، بل أيضاً في كيفية قراءة الأوساط الإسرائيلية لهذه المواقف وتداعياتها الاستراتيجية، والتي طغت عليها السخرية من ضعف المخرجات، ومن هزالة الرسائل، والتي تعكس مواقف أقل من المتوقع بالنظر إلى حجم المخاطر ونوعيتها التي فرضها العدوان الاسرائيلي على الدوحة، وقد غابت عن القراءات الصهيونية أي من حالات القلق مقابل سخرية عميقة.
لم تجد الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية في مخرجات القمة -التي انتهت إلى بيان ختامي يدين الهجوم على قطر، ويؤكد التضامن العربي والإسلامي معها- ما يشكل رادعاً حقيقياً، أو يفرض تغييراً في معادلة القوة، بل ذهب بعض المحللين الإسرائيليين إلى وصف القمة بأنها "قمة نفاق"، معتبرين أن العديد من المشاركين -وبخاصة من الدول التي تربطها علاقات تطبيع مع "إسرائيل"- لم يكونوا حريصين حقاً على إدانة قوية، بل ربما كانوا "سعداء لو أن محاولة الاغتيال الإسرائيلية نجحت". وقد استشهد هؤلاء المحللون، مثل عميت سيغل، بمواقف تاريخية لدول مثل الإمارات، التي سبق أن حذرت "إسرائيل" من "الإدمان على المال القطري"، وطردت قناة الجزيرة، ما يعكس عداءً إماراتيا عميقاً لقطر، لا تحمل حتى جزءا منه للكيان ذاته.
و أشار محللون آخرون، مثل روعي كايس، إلى أن القرارات التي خرجت بها القمة كانت "عمومية"، ولم تتضمن أي خطوات محددة أو عملية ضد "إسرائيل"، وهو ما يعزز لدى صناع القرار في "تل أبيب" شعوراً بأن السقف العربي والإسلامي الرسمي لا يتجاوز "بكائية الندب والتنديد"، ما يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد والخرق للسيادة العربية دون خشية من عواقب جدية، وقد ربطت هذه الأوساط بين ضعف المواقف الرسمية و"التحكم الأمريكي بإيقاعها"، ما يقلل من فاعليتها في نظر الصهاينة أنفسهم.
في المقابل، توقفت الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية عند موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي استخدم مصطلح "العدو" في إشارة غير مباشرة للكيان، فهذه الإشارة -رغم عدم التصريح بالاسم- مثلت إشارة كافية لنوايا العدوان على مصر، وشن المحللون الصهاينة هجوما مباشراً عنيفاً على الجيش المصري، ما يكشف نوايا التصعيد القادم باتجاه جمهورية مصر، وهي مؤشرات غير مستبعدة في ظل تغول العدو في أكثر من جهة، واستفحاله في أكثر من جبهة في سياق حلم ورؤية ما يسميه "إسرائيل الكبرى"، وإصراره الواضح على المضي فيها، بشراكةٍ أمريكية كاملة وحماية غربية لامحدودة. وقد تجاوزت ردود الفعل الإسرائيلية -عموماً- مجرد التحليل السياسي إلى التهكمات المعمقة على سبيل استهزاء من ردود فعل الزعماء المسلمين والعرب، والذين تداعوا زعماءَ ورؤساءَ وملوكاً ليتمخضوا عن إدانات لا تضفي جديدا ولاتضيف استثناء.
وفي سياق صناعة المبررات للاعتداء على مصر حذرت شوش روبين، المسؤولة السابقة في جيش العدو الإسرائيلي، من أن مصر قد تتحول إلى "إحدى الجبهات المركزية" في السيناريوهات العسكرية المستقبلية، واستندت في تحليلها إلى ما وصفته بـ"التعزيزات العسكرية المصرية" في سيناء، بما في ذلك بناء قواعد هجومية ومعابر تحت الأرض، وامتلاك أسطول بحري قوي، وسلاح مدرعات من بين الأكبر عالمياً، وقد قدمت روبين هذه التحركات -بالإضافة إلى خطاب السيسي- ذرائع كافية لاستهاداف مصر واحتلال سيناء والتوسع نحو النقب. لكن المحلل السياسي نوام فتاحي قدم رؤية أكثر واقعية، مذكراً بأن الترسانة العسكرية المصرية "أمريكية في النهاية"، وتخضع لسيطرة واشنطن، وبالتالي فإن إمكانية استخدامها ضد "إسرائيل" تظل محدودة. ومع ذلك، فإن مجرد طرح هذا التهديد بشكل علني في وسائل الإعلام الإسرائيلية يدل على أن الخطاب المصري والتحركات العسكرية في سيناء أصبحت مصدراً رئيساً لقلق الصهاينة الذين لن يعدموا مبررات للعدوان على مصر، على غرار ما فعلوه مع قطر ويفعلونه في سوريا، وذكر المحللون الصهاينة أنه رغم أن بعض الأوساط الإسرائيلية أكدت أن هذه التحركات تتم بالتنسيق مع جيش العدو الاسرائيلي، إلا أن المخاوف من "تهديد مباشر لتفوقها العسكري" لا تزال قائمة، وتشكل جزءاً من النقاش الاستراتيجي الداخلي الصهيوني.
تكشف قراءة الأوساط الإسرائيلية لقمة الدوحة عن معادلة غير مستقرة. فمن جهة، هناك استهتار واضح بالمواقف الرسمية الجماعية للدول العربية والإسلامية، والتي يُنظر إليها على أنها رمزية ولا ترقى لمستوى التحدي، ما يشجع على مواصلة سياسة الأمر الواقع والعدوان، أكثر من ذلك يستثمر الصهاينة -وفق تحليلاتهم- مخرجاتها لتعزيز نوايا ومصوغات عدوان يبشرون به على مصر، معبرين عما أسموه قلقاً حقيقياً ومتنامياً من التحركات الفردية لدول محورية مثل مصر، والتي يُنظر إلى خطابها وتحركاتها العسكرية على أنها قد تشكل تهديداً استراتيجياً مستقبلياً.
المؤكد أن ضعف الموقف الجماعي الإسلامي العربي يدفع العدو الإسرائيلي إلى التمادي، فالعدو عوّدنا أنه لا يكتفي بـ"أكل البقر السمان"، فهو عازم على السيطرة على الملعب والأنعام، وقد فعلها من قبل بلا حوافز، فكيف به اليوم أمام مغريات الخنوع والخضوع العربي-الاسلامي غير المسبوق انبطاحا وعجزا.