موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الشامي

في عملية دقيقة وواضحة وبمعيار مراقب التطور التقني العسكري لليمن غير مفاجئة، أثبتت القوات المسلحة اليمنية قدرتها على اختراق أحدث أنظمة دفاع العدو الإسرائيلي، حين أطلقت مسيرة متطورة نحو مدينة أم الرشراش "إيلات" بجنوب فلسطين المحتلة، أشعلت الضربة النيران في منتجع سياحي رفيع المستوى، وتسببت في إصابات متعددة، وأشتعلت معها تساؤلات النقطة التي بلغها الصراع بين الطرفين في معركة "كسر عظم" كما يُحب توصيفها خبراء عسكريين.

 كشفت ردود فعل العدو الإسرائيلي المتضاربة عن فشله الذريع في التعامل مع التهديدات الجديدة القادمة من اليمن هذه الضربة ليست مجرد حدث عابر، فالعملية دليل قاطع على تطور القدرات العسكرية اليمنية في سياق دعمها الفعلي للقضية الفلسطينية، في ظل استمرار العدو الإسرائيلي في ارتكاب إبادة جماعية بغزة منذ السابع من أكتوبر 2023، متجاهلاً نداءات المجتمع الدولي وأوامر المحكمة الدولية.

 

اختراق الدفاعات بذكاء تقني 

خبراء عسكريون أكدوا – في قراءتهم للعملية-  أن دفاعات العدو الإسرائيلي فشلت في كشف المسيّرة اليمنية رغم المسافة الطويلة التي تبلغ حوالي 2100 كيلومتر، حيث تمكنت من التحليق على مستوى منخفض فوق البحر، مما جعلها خارج نطاق رصد المنظومات التقليدية، وهي بالمناسبة أكثر طائرة يمنية تصل إلى هذا المستوى المتدنّي في تحليقها، ووفقاً للتقارير الإسرائيلية، أصيب ما لا يقل عن 50 مغتصباً عدد منهم  في حالة خطرة جراء سقوط المسيرة في منطقة سياحية بمدينة أم الرشراش، بينما أقرت شرطة العدو الإسرائيلي بوقوع إصابات وأضرار مادية، وأجرت تقييماً ميدانياً للوضع، وأشارت إذاعة جيش العدو الإسرائيلي إلى أن ارتفاع الطيران المنخفض للمسيرة صعّب عملية اعتراضها من قبل منظومة "القبة الحديدية"، وفي معرض وقوفهم عند العملية كشف محللون استراتيجيون أن الطبيعة الجغرافية لمدينة أم الرشراش كمدينة ساحلية تختلف كلياً عن المناطق الشمالية المحتلة، حيث كانت المسيرات السابقة تُطلق من لبنان عبر مسافات قصيرة تعبر جغرافيا جبلية، بينما سلكت المسيرة اليمنية مساراً مختلفاً فوق البحر، متجنبة الأجواء السعودية والمصرية، مما زاد من صعوبة رصدها، من قبل منظومات الرصد المبكّر المزروعة في المنطقة والتي تعمل في خدمة العدو.

وأوضح الخبراء أن الفشل في التعامل مع المسيرة اليمنية لم يقتصر على الكشف المبكّر، بل تضمن أيضاً اعتماداً أحادياً على منظومة "القبة الحديدية" دون الاستعانة بوسائل متعددة مثل الطائرات المقاتلة أو المروحيات، مما سمح للمسيرة بالوصول إلى الهدف رغم اكتشافها لاحقاً، وهو موضوع في رسم التحقيقات، كما نفى المختصون في تحليلاتهم ونقاشاتهم التي جرت على بعض القنوات التلفزيونية، ادعاءات العدو الإسرائيلي حول نسبة نجاح منظومة "القبة الحديدية" التي تصل إلى 95%، مؤكدين أن الإحصائيات الحقيقية من الحروب السابقة تُظهر أن فعاليتها الفعلية تتراوح بين 65 إلى 70% ضد الصواريخ فقط، بينما تراجعت هذه النسبة بشكل ملحوظ أمام الطائرات المسيرة الحديثة التي تستخدم تقنيات متطورة في المناورة، كما هو الحال مع المسيّرات اليمنية.

 

تقديرات لتقنيات المسيّرات اليمنية:

وفي تتبع ما طرحه  الخبراء والمختصّون عن العملية فقد أشاروا من قبيل تقدير المسار الذي نحته المسيّرات اليمنية، إلى أن المسيرات الحديثة تعتمد على نظامين متطورين: الطيار الآلي (جهاز الحاسوب المتحكم بالطائرة) والطيار الأرضي (الموجه أو المسيطر)، مما يسمح لها بتنفيذ مناورات حادة تُصعب من عملية اعتراضها حتى بالأنظمة المتقدمة، وفيما يتعلق بتطور قدرات القوات المسلحة اليمنية، أكد الخبراء أن القوات المسلّحة اليمنية تمتلك خبرة تراكمية منذ عام 2015 في استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ، مع تحسين مستمر منذ السابع من أكتوبر، خصوصاً في تطوير سلسلة طائرات "صماد" التي وصلت إلى الإصدار الرابع، مما مكنها من تجاوز أنظمة الرادار الإسرائيلية. 

وبحسب التحليل العلمي، فإن المسيّرة اليمنية أظهرت دقة في التخطيط والتنفيذ، حيث اختارت هدفاً حيوياً يُمثل رمزية سياحية واقتصادية للعدو الإسرائيلي، الأمر الذي أثبت أن القوات المسلحة اليمنية تُدرك تماماً نقاط ضعف العدو الإسرائيلي وتستغلها بذكاء، كما توقف الخبراء الذين استضافتهم قناة المسيرة إلى أن محاولة اعتراض المسيّرة تطلبت إطلاق صاروخين اعتراضيين، لكن كليهما فشل في إسقاطها، وهو ما يُظهر أن التقنيات الإسرائيلية لا تزال عاجزة أمام التطورات اليمنية المتلاحقة والتي تسعى باستمرار وإصرار إلى ترصّد ثغرات الضعف التي تتخلل أنظمة دفاع العدو الإسرائيلي. 

تتزامن هذه الضربة مع استمرار العدو الإسرائيلي في ممارسة إبادة جماعية بغزة، عبر القتل الممنهج والتجويع والتدمير الممنهج والتهجير القسري، بينما يواصل العدو الإسرائيلي تجاهل قرارات المحكمة الدولية التي طالبت بوقف العمليات العسكرية، في هذا السياق، تتواصل عمليات الإسناد اليمنية بقوة في مسار أخلاقي متصاعد يقره القانون الدولي وقبل ذلك يحتمه ويوجبه المنطلق الإيماني الذي يمثل الدافع الأول للشعب اليمني، وتعكسه أسبوعياً مليونيات الجمعة التي ت خرج في أكثر من ألف ساحة في مختلف المحافظات اليمنية .

إخفاء الإخفاق بعباءة التحقيقات

في محاولة لإنقاذ هيبته العسكرية، أعلن العدو الإسرائيلي فتح تحقيق في أسباب الفشل في اعتراض المسيرة، لكن هذه الخطوة لا تُخفي حقيقة أن التحقيقات السابقة لم تُسفر عن أي نتائج ملموسة، فقبل أسبوع، أجرى جيش العدو الإسرائيلي تحقيقاً مشابهاً بعد عملية هجومية يمنية أخرى، لكنه أخفى نتائجه خلف ستار السرية العسكرية، مما يُظهر أن النظام الإسرائيلي يعاني من أزمة ثقة داخلية في قدراته الدفاعية، كما أن تصريحات المسؤولين الصهاينة المتكررة حول "التعامل مع هدف معادي متسلل" تُعتبر محاولة مُخزية لإخفاء حقيقة أن منظوماتهم الدفاعية أصبحت عاجزة أمام التطورات التقنية اليمنية سواء في الصواريخ أو في الطائرات المسيّرة.

يضع المهتمون بتطورات الاشتباك القائم، الضربة اليمنية على أم الرشراش ضمن مؤشرات تحول استراتيجي في الصراع، من حقيقة أن القوات المسلحة اليمنية نجحت عدّة مرات على اختراق أحدث أنظمة دفاع العدو الإسرائيلي، مما يُجبره على إعادة النظر في استراتيجيته الأمنية، وهو ما يضع العدو أمام مأزق غير مسبوق تتقلص فيه خياراته لترميم الردع بينما على حساب تنامي القدرة العسكرية اليمنية وضرباتها المؤلمة.