| تقرير| يحيى الربيعي 

يتطورُ العدوُّ في استخدامِ أدواتِ الصراعِ ليحوّلَ حربَ الجغرافيا إلى حربٍ وجوديةٍ أعمقَ وأخطرَ، تُدارُ ببراعةٍ عبرَ تقنياتِ "حربِ العقولِ" الخفيةِ التي تستهدفُ الوجدانَ والوعيَ الجمعيَّ للأمةِ. إنها استراتيجيةٌ ممنهجةٌ، تقودُها الولاياتُ المتحدةُ والكيانُ الإسرائيليُّ، وتضعُ نُصبَ أعينِها غايةً عظمى تتجاوزُ الهزيمةَ العسكريةَ الظاهرةَ لتصلَ إلى تدميرِ اللُحمةِ الداخليةِ وتفكيكِ الهويةِ الوطنيةِ، ما يفتحُ الطريقَ واسعاً نحو الخضوعِ الشاملِ وتأبيدِ التبعيةِ. هذا التكتيكُ يؤكدُ أنَّ المعركةَ لمْ تعدْ محصورةً في ساحةِ الميدانِ، بلْ أصبحتْ تستنزفُ التحصينَ المعرفيَّ للأمةِ كخطِّ دفاعٍ أخيرٍ.
وفي السياق، تُظهرُ الممارساتُ العدوانيةُ للسياساتِ الصهيو-أمريكيةِ تطبيقاً متكاملاً لاستراتيجيةِ "العملياتِ النفسيةِ" المستمرةِ، التي لا تقتصرُ على إضعافِ حركاتِ المقاومةِ، بل بمتدُّ لتفتيتِ الهوياتِ الوطنيةِ والسياسيةِ للشعوبِ العربيةِ، بما في ذلكَ الدولُ "الصديقةُ" التي تقعُ تحتَ ثقلِ التبعيةِ المُهينةِ. إنَّ هذهِ العملياتِ النفسيةَ تستخدمُ "كلَّ الطرقِ وكلَّ الأساليبِ حتى الأساليب الناعمة كالفنِّ والثقافةِ والرياضةِ"، متطابقةً بذلكَ تماماً معَ أدواتِ الهيمنةِ الحاليةِ في ضخِّ محتوى ثقافيٍّ وإعلاميٍّ يروجُ للتطبيعِ وتذويبِ مفهومِ "القضيةِ المركزيةِ" (فلسطين) من الوعيِ العامِّ، بينما يتمُّ تلميعُ صورةِ سلطاتِ الاحتلالِ، وتشويهُ حركاتِ المقاومةِ على أنها "إرهابٌ" ومصدرٌ لـ"عدمِ الاستقرارِ".

رأس الحربة في تفكيك الثقة

تُعدُّ الحربُ النفسيةُ أو ما يتعارفُ عليهِ باستراتيجيةِ "الطابورِ الخامسِ"، التي ظهرتْ في خضمِّ الحربِ الأهليةِ الإسبانيةِ (1936-1939) كنموذجٍ مبكرٍ لعملياتِ تفكيكِ الهوياتِ الداخليةِ، هيَ الخيطُ الجوهريُّ لاستراتيجيةِ التطويعِ. فقد أُطلقَ المصطلحُ لأولِ مرةٍ على لسان الجنرالِ إيميلي مولا، الذي أعلنَ أنَّ قوتَهُ الحقيقيةَ تكمنُ في "طابورٍ خامسٍ من أنصارِه داخلَ المدينةِ"، هذا النموذجُ يرسِّخُ جوهرَ الهجومِ الذي يعتمدُ على شقاقٍ داخليٍّ يتمُّ هندستُهُ سراً عبرَ "فصيلٍ منَ العملاءِ والمخربينَ التابعينَ ممنْ يعملونَ سراً، أو يحاولونَ خلقَ أزماتٍ لتفتيتِ وحدةِ الشعوبِ".
وتمثلُ "الشائعاتُ" و"الدعايةُ" رأسَ حربةِ استراتيجيةِ التطويعِ وتفكيكِ الهوياتِ التي تعتمدُ عليها قوى الهيمنةِ، وعلى رأسِها الولاياتُ المتحدةُ والكيان الإسرائيلي. وهذهِ الأدواتُ تتطورُ بسرعةٍ مرعبةٍ، مدعومةً بالتقنياتِ الحديثةِ والذكاءِ الاصطناعيِّ، بهدفِ خلقِ "الدولةِ الفاشلةِ" التي تخضعُ لإرادةِ العدوِّ دونَ الحاجةِ لإطلاقِ رصاصةٍ واحدةٍ.
وتظلُّ "الشائعاتُ" هي الأداةَ الرئيسةَ والجوهريةَ في "العملياتِ النفسيةِ" رغمَ تطورِ الوسائطِ، إنها ليستْ مجردَ أكاذيبَ، بل هي هندسةٌ معلوماتيةٌ معقدةٌ لضربِ الثقةِ وتوليدِ الفوضى. ويتمُّ استخدامُ تكتيكاتٍ دقيقةٍ مثلَ "تعمُّدِ المبالغةِ والتهويلِ أو التشويهِ" في خبرٍ يحوي جانباً ضئيلاً منَ الحقيقةِ، أو "تفسيرِ خبرٍ صحيحٍ بالكاملِ بأسلوبٍ مغايرٍ للواقعِ والحقيقةِ"، كلُّ هذا يصبُّ في هدفٍ واحدٍ وهو "التأثيرُ النفسيُّ في الرأيِ العامِّ" وما يترتبُ عليهِ من "التشكيكِ وتحطيمِ الثقةِ وإثارةِ الفوضى والارتباكِ". وقد تزايدتْ خطورةُ الشائعاتِ معَ انتشارِ منصاتِ التواصلِ، ولكنَّ الأخطرَ هوَ التطورُ السريعُ للذكاءِ الاصطناعيِّ و"الديب فيكس" (مقاطعُ الفيديوِ والصوتِ المزيفةُ التي تبدو أصليةً تماماً)، ما يجعلُ حملاتِ التضليلِ "اختياراً جذاباً جداً وموفراً للمالِ وموفراً للطاقةِ"، حيثُ يمكنُ "زراعةُ الفوضى داخلَ الدولِ مجاناً وبمنتهى السهولةِ".
وتُعدُّ الدعايةُ (مجموعةٌ ضخمةٌ منَ المعلوماتِ والأفكارِ و الأكاذيبِ) الأداةَ الأشملَ والأكبرَ التي تستهدفُ "إرباكَ الخططِ والمشاريعِ الحاليةِ والمستقبليةِ". وتندرجُ هذهِ الحملاتُ ضمنَ "الجيلِ الرابعِ للحروبِ"، ويتمُّ تنفيذُها ببطءٍ عبرَ "العملِ على إنهاكِ الدولِ المستهدفةِ والنخرِ فيها من الداخلِ"، إلى أنْ "تتآكلَ وتصابَ بالعجزِ، وينتهيَ بها الأمرُ إلى الخضوعِ لإرادةِ هيمنةِ الدولِ المستهدفةِ لها". هذا النوعُ منَ الحملاتِ قادرٌ على "تفتيتِ مؤسساتِ الدولةِ الأساسيةِ"، وتدميرها "أمنياً واقتصادياً، وتفكيكِ وحدةِ شعبِها، وفرضِ واقعٍ جديدٍ على الأرضِ" حتى "تتآكلَ وتصابَ بالعجزِ وينتهيَ بها الأمرُ إلى الخضوعِ لإرادةِ هيمنةِ الدولِ المستهدفةِ لها".

التبعية مقابل المصالح.. احتواء الدول "الصديقة"

تُظهرُ ممارساتُ الولاياتِ المتحدةِ في المنطقةِ تطبيقاً استراتيجياً لعملياتٍ نفسيةٍ تستهدفُ الدولَ العربيةَ "الصديقةَ لها" لضمانِ "التبعيةِ للدولةِ الموجِّهةِ"، عبرَ دعمِ نُخَبٍ وقنواتٍ تخدمُ مصالحَها ومصالحَ الكيانِ الإسرائيليِّ.
ويتمُّ تفعيلُ هذا الضغطِ الممنهجِ عبرَ ربطِ الدعمِ السياسيِّ والعسكريِّ الأمريكيِّ لدولِ المنطقةِ، بشكلٍ مباشرٍ أو ضمنيٍّ، بقبولِ أجندةِ التطبيعِ معَ الكيان الإسرائيلي و هذا الأسلوبُ يُستخدمُ كأداةِ تطويعٍ لإجبارِ هذهِ الدولِ على التخليِ عن ثابتِها القوميِّ المركزيِّ، وهوَ دعمُ القضيةِ الفلسطينيةِ، مقابلَ مكاسبَ زائلةٍ.
وفي الوقتِ ذاتِهِ، يتمُّ تمويلُ ودعمُ مراكزَ فكريةٍ ومنصاتٍ إعلاميةٍ وشخصياتٍ عامةٍ في الدولِ العربيةِ، مهمتُها الترويجُ لـ"الأساليبِ الناعمةِ" التي تهاجمُ الهويةَ القوميةَ وتدعو إلى التحررِ من "عقدةِ فلسطينَ". هذهِ النخبُ تلعبُ بامتيازٍ دورَ "الطابورِ الخامسِ" الذي يعملُ سراً على تفكيكِ الوحدةِ الفكريةِ للشعوبِ وإضعافِ موقفِها المقاومِ.
كما تُستخدمُ مقولةُ "الحربِ على الإرهابِ" أو "ضمانِ الاستقرارِ الإقليميِّ" كذريعةٍ أمريكيةٍ دائمةٍ لفرضِ الوصايةِ العسكريةِ والسياسيةِ، وكأداةٍ نفسيةٍ لإبقاءِ الدولِ في حالةِ قلقٍ دائمٍ، حيثُ تُصوَّرُ الولاياتُ المتحدةُ كضامنٍ وحيدٍ لهذا الاستقرارِ المزعومِ. هذا التكتيكُ يهدفُ إلى منعِ هذهِ الدولِ من "الانحيازِ إلى الجانبِ الآخرِ" أو اتخاذِ قراراتٍ سياديةٍ تتعارضُ معَ الأجندةِ الصهيو-أمريكيةِ.

الشخصنة وتصفية القادة معنوياً

لإنجاحِ هذهِ الاستراتيجيةِ التخريبيةِ، وضعَ البروفيسورُ انج (معهدِ الدراساتِ الاستراتيجيةِ في جيشِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ)، شروطاً واضحةً؛ حيثُ أكدَ أنَّ خلقَ "الدولةِ الفاشلةِ" هوَ عمليةٌ تُنفذُ "بطريقةٍ جيدةٍ وببطءٍ وبهدوءٍ كافٍ وباستخدامِ مواطني دولةِ العدوِّ". ووصلتِ العملياتُ النفسيةُ إلى مستوى جديدٍ من الخطورةِ وهوَ "الشخصنةُ"؛ حيثُ لم تعد الرسائلُ تستهدفُ الحشودَ بشكلٍ جمعيٍّ فقط، بل "باستهداف أفراد بعينِهِم" لتحقيقِ تأثيرٍ جمعيٍّ في الوقتِ نفسه. ويتمُّ استخدامُ المعلوماتِ المضللةِ في تشويهِ سمعةِ الخصمِ بهدفِ "هدمِ الثقةِ بينَ المواطنِ وبينَ دولتِهِ أو بينَهُ وبينَ مؤسسةٍ مهمةٍ في هذهِ الدولةِ". فـتصفيةُ "الشخصياتِ العامةِ معنوياً" يفتحُ المجالَ أمامَ الفوضى والعداواتِ الداخليةِ.
وكما حدثَ في الصراعِ الأوكرانيِّ، حيثُ استُخدِمتْ رسائلُ نصيةٌ قصيرةٌ وموجهةٌ تقولُ للجنديِّ: "أنتَ على وشكِ الموتِ، الحقْ روحْ اهربْ"، ما يمثلُ مستوى متقدماً من تدميرِ الروحِ المعنويةِ، حيثُ تصلُ رسالةُ التفكيكِ إلى الفردِ بشكلٍ شخصيٍّ ومقنعٍ، أحياناً تبدو "وكأنها جاءتْ من قريبِ الجنديِّ نفسِهِ". يؤكدُ هذا التطورُ أنَّ نجاحَ هذهِ الحربِ يتطلبُ منْ مشنّها "فِرَقاً متخصصةً" تدرسُ "العاداتِ والتقاليدَ، وتعرفُ معدلَ وعيِ الشعبِ المستهدفِ" ونقاطَ ضعفِهِ وقوتِهِ، لتحددَ بدقةٍ الأدواتِ التي تنفذُ إلى "عقلِ ووجدانِ الشعوبِ". 
هذا التحول العميق منْ استهدافِ العدوِّ إلى استهدافِ الحليفِ والصديقِ بالعملياتِ النفسيةِ يضعُنا أمامَ حقيقةٍ صادمةٍ: أنَّ الهدفَ الأقصى ليسَ تحطيمَ الروحِ القتاليةِ للمقاومةِ فقط، بل هوَ إدامةُ حالةِ التبعيةِ الشاملةِ للدولِ التي يُفترضُ أنها "صديقة"، ما يضمنُ تفكيكَ أيِّ نواةٍ صلبةٍ للهويةِ القوميةِ أو الإرادةِ السياسيةِ المستقلةِ القادرةِ على دعمِ القضيةِ المركزيةِ للأمةِ (فلسطين).

الحرب النفسية العدوانية.. محو الذاكرة الفلسطينية مثالاً

في سياقِ المواجهةِ المباشرةِ، لا تنفصلُ ممارساتِ العدو الإسرائيلي والولاياتِ المتحدةِ في المنطقةِ عنِ الإطارِ التحليليِّ لـ"العملياتِ النفسيةِ" المستمرةِ، التي تستهدفُ ليسَ فقط تدميرَ الإرادةِ القتاليةِ، بل خلقَ حالةٍ دائمةٍ منَ التبعيةِ السياسيةِ والمعرفيةِ، ما يضمنُ رسوخَ الهيمنةِ وتآكلَ السيادةِ.
تُمارسُ سلطاتُ العدو الإسرائيلي حرباً نفسيةً عدائيةً ممنهجةً تستهدفُ تحطيمَ الروحِ المعنويةِ والإرادةِ القتاليةِ للشعبِ الفلسطينيِّ والمقاومةِ، ففي محاولةٍ خطيرةٍ لـتفكيكِ الهويةِ المكانيةِ الجمعيةِ، تعملُ العدو على محوِ الأسماءِ والمواقعِ الجغرافيةِ الفلسطينيةِ الأصيلةِ، وتستبدل بها أسماءً عبريةً مزورةً، كاستبدالِ أسماءِ البلداتِ والقرى المهجرةِ، بهدفِ تدميرِ الرابطِ الوجدانيِّ والتاريخيِّ للأجيالِ الجديدةِ بأرضِها.
بالتزامنِ معَ ذلكَ، تُستخدمُ وسائلُ الإعلامِ ومنصاتُ التواصلِ، مدعومةً بأدواتٍ استخباراتيةٍ، لبثِّ رسائلِ ترهيبٍ مباشرةٍ للسكانِ في غزةَ والضفةِ الغربيةِ، يهدفُ هذا التكتيكُ إلى "إدخالِ الخوفِ والرعبِ في نفوسِ الأعداءِ المباشرينَ"، عبرَ تحذيراتٍ مباشرةٍ بالإخلاءِ وتهديدِ أحياءٍ سكنيةٍ بالدمارِ، ما يخلقُ ضغطاً نفسياً غيرَ مسبوقٍ على الجبهةِ الداخليةِ، ويُربكُ المشهدَ المجتمعيَّ.
كما يتمُّ تشويهُ المقاومةِ باستمرارٍ، عبرَ الآلةِ الإعلاميةِ لسلطاتِ العدو الإسرائيلي وحلفائِه، بتصويرِ حركاتِ المقاومةِ كـ"كياناتٍ إرهابيةٍ متطرفةٍ". هذهِ الدعايةُ الممنهجةُ تخدمُ هدفَ إضعافِ القوةِ المعنويةِ وتجريدِ المقاومةِ منْ شرعيتِها الشعبيةِ، ليسَ فقط أمامَ الرأيِ العامِ الغربيِّ، بل أمامَ الشعوبِ العربيةِ نفسِها التي تستهدفُها آلةُ التضليلِ.

الحرب على اليمن باستخدام المعاناة كأداة نفسية

على صعيد الحربِ على اليمنِ، تتضحُ أبعادُ العملياتِ النفسيةِ الشاملةِ التي تَستخدِمُ فيها القوى المعتديةُ كلتا الطريقتينِ، حيث يتمُّ استخدامُ الدعمِ الماليِّ والإعلاميِّ المكثفِ لتغذيةِ الانقساماتِ الداخليةِ، وخلقِ صراعاتٍ فرعيةٍ لا هدفَ لها سوى "تفتيتِ وحدةِ الشعبِ" وتدميرِ النسيجِ الاجتماعيِّ والسياسيِّ، ما يصبُّ مباشرةً في أجندةِ الإضعافِ الممنهجِ.
ويُعدُّ الحصارُ الاقتصاديُّ وتدميرُ البنيةِ التحتيةِ الأساسيةِ (التي لا تُعتبرُ أهدافاً عسكريةً تقليديةً) جزءاً من حربٍ نفسيةٍ موجهةٍ لـ"إضعافِ القوةِ المعنويةِ للشعبِ". حيثُ يتمُّ تحويلُ الحياةِ اليوميةِ إلى معاناةٍ دائمةٍ، بهدفِ توليدِ السخطِ الداخليِّ والضغطِ على القيادةِ السياسيةِ لتغييرِ مواقفِها الجهادية.
تؤكدُ هذهِ الشواهدُ والأدلةُ على أنَّ استراتيجيةَ التطويعِ وتفكيكِ الهوياتِ هي حقيقةٌ سياسيةٌ قائمةٌ تتطلبُ نهجاً تحليلياً ونقدياً مستمراً لـفضحِ ألاعيبِها، وضرورةَ بناءِ استراتيجيةِ مقاومةٍ شاملةٍ ترتكزُ على الوعيِ والإرادةِ الوطنيةِ لمواجهةِ هذا التحديِ الوجوديِّ.

استهداف المرأة بالفسادِ الأخلاقيِّ

في سياقِ تصديرِ الضلالةِ، يتضحُ الاستهدافُ الممنهجُ للهويةِ الاجتماعيةِ عبرَ المرأةِ، حيثُ يكشفُ الشهيد القائد السيدُ حسينُ بدر الدين الحوثي في ملزمة (لتحذن حذو بني إسرائيل) أنَّ الأعداءَ يعملونَ على "نشرِ الفسادِ الأخلاقيِّ في مختلفِ البلادِ العربيةِ"، ويدفعونَ المرأةَ المسلمةَ لـ"التبرجِ" و"مزاحمةِ الرجلِ في جميعِ مناحي الحياةِ" بحجةِ المشاركةِ السياسيةِ أو التنميةِ. ويُبينُ أنَّ هذهِ الدعواتِ المضللةَ تتعارضُ معَ المشاركةِ الحقيقيةِ للمرأةِ في تحملِ أعباءِ الحياةِ (التدبير المنزلي والتنمية الزراعية وتربية المواشي)، حيثُ تُصنَّفُ هذهِ المساهمةُ الأصيلةُ عندَ الأعداءِ بأنها "امتهانٌ للمرأةِ".
ويشيرُ إلى خطورةِ "تطعيمِ المكاتبِ بالنساءِ" لجعل "أجواء المكتبِ كلها أجواء حبٍّ"، وهوَ ما يهددُ النسيجَ الأخلاقيَّ. ويؤكدُ الشهيد القائد أنَّ هذا التقييمَ المغلوطَ لعملِ المرأةِ يأتي منْ عندِ أولئكَ الذينَ قالَ اللهُ عنهم: "وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ"، وأنَّ الامتهانَ الحقيقيَّ يكمنُ في "تحميلِنا القروضَ المنهِكةَ" و"وضعِنا تحتَ أقدامِ أعدائِنا" بسببِ "بيعِ الدينِ بالدنيا".

الإرادة الواحدة في المواجهة

إنَّ مواجهة هذهِ الألاعيبِ وخططِ تفكيكِ الهوياتِ تتطلبُ نهجاً تحليلياً ونقدياً مستمراً لـفضحِ آلياتِ التضليلِ وتعريةِ وكلاءِ الهيمنةِ. وفي هذا السياقِ، تتحددُ أقدسُ مهامِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ والدعوةِ إلى الخيرِ في وقتِنا الحاضرِ، لاسيما ونحنُ في مواجهةٍ مباشرةٍ معَ أشدِّ أعداءِ المؤمنينَ وتحديداً حَمَلَة المشروعِ القرآنيِّ، فاليهودُ ومنْ يحالفُهم منَ النصارى وأنظمةِ الخنوعِ والتطبيعِ هم أشد عداوة للذين آمنوا.
ويؤكدُ الشهيدُ القائدُ السيدُ حسينُ بدرالدينِ الحوثي، في محاضرةِ "دروس من سورة آل عمران - الدرس الثالث"، أنَّ الاستجابةَ لهذا التحديِ تتطلبُ حركةً مستمرةً وغيرَ فرديةٍ، تحت قاعدة: "{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، بهذهِ الصِّيغَةِ {وَلْتَكُنْ}، أليسَ هذا أمر مؤكد؟ يجبُ أنْ تكونوا على هذا النحوِ: أمة تتحركُ". ويحذّرُ منْ أنَّ التعددَ في "التوجيهاتِ" والأساليبِ المنفردةِ لنْ يقودَ إلا إلى "تَفريقِ كلمةِ الأمةِ تحتَ عنوانِ: دعوةٍ إلى الخيرِ وأمرٍ بمعروفٍ ونهيٍ عنْ منكرٍ".
ويوضحُ الشهيدُ القائدُ أنَّ المسألةَ في مواجهةِ أهلِ الكتابِ ليستْ مجردَ توجيهِ الأنظارِ إلى مراكزِ القوى الخارجيةِ، بل إنَّ "العملَ يأتي في مواجهتهم من هنا من الداخلِ"؛ وذلكَ لأنهم "يتغلغلونَ إلى داخلِها بمختلفِ وسائلهم الخبيثةِ، {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً}، فساداً ثقافياً، فساداً أخلاقياً، فساداً اقتصادياً، فساداً في البيئةِ، فساداً في كلِّ مجالاتِ الحياةِ". لذلكَ، يشددُ على ضرورةِ أنْ يتحركَ الجميعُ في هذا المقامِ "من قاعدةٍ واحدةٍ، من توجيهاتٍ واحدةٍ، وخطةٍ واحدةٍ، وأساليبَ واحدةٍ"، حتى تكونَ النتيجةُ "تصبُّ في قالبِ تأهيلِ الأمةِ فيما يتعلقُ بوحدتِها".
هذا التحديُ الوجوديُّ يؤكدُ أننا أمامَ نموذجِ حربٍ غيرِ تقليديةٍ يسعى فيهِ الخصمُ إلى الانتصارِ عبرَ تحويلِ الإرادةِ الحرةِ إلى تبعيةٍ دائمةٍ، ولا يمكن التصدي لهذه الهجمة إلا بالوعي وتحصين الجبهة الداخلية والتحرك في إطار المشروع القرآني.