موقع أنصار الله . تقرير 

لطالما أكدت الأحداث والوقائع أن الحضن الأمريكي محصور على الكيان الصهيوني، وأن الذين حلموا وراهنوا وعملوا وضيعوا حياتهم في خدمة الأمريكي كان مصيرهم مزبلة التاريخ، سواء على مستوى قادة الأنظمة ورؤساء الدول أو على مستوى العملاء من مختلف الطبقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى من الناس البسطاء كان مصيرهم أسوأ من مصير العملاء الكبار.
وعلى الرغم من أن أمريكا متخصصة في بيع حلفائها وأصدقائها بمجرد أن تجد البديل الأفضل القادر على تنفيذ مؤامراتها، وأن تراهم آيلين للسقوط - وغالباً ما تكون هي السبب الرئيسي في سقوطهم - إلا أن كثيراً من الحكام والقادة يستمرون في خدمتها دون اتعاظ بمن سبقهم، فما إن تغدر واشنطن بحاكم حتى يسابق آخر ويقدم نفسه "عميلاً مرشحاً" على أمل أن تكون هي "المظلة" التي يستخدمها للقفز على الكرسي، ولكن تدور الأيام ليجد -في النهاية- الغدرَ بانتظاره، وربما ترفض واشنطن حتى استقباله، لأنها -ببساطة- استنفدته حتى سقط، ولا تريد أن تراهن على جواد خاسر، بل على البديل، وغالباً ما تكون قد أعدته أو طرح نفسه عليها كبديل أفضل.
يقول الرئيس الجورجي السابق شيفرنادزة: "قدمت للأمريكيين كل ما طلبوا مني بل أكثر مما طلبوه، ولعبت دورا أساسيا في انهيار الاتحاد السوفيتي، وجلبت جنرالاتهم ليدربوا جيشنا، ويقودوه، ورغم كل هذا خانوني ودبروا الانقلاب ضدي. لقد كان السفير الأمريكي يجلس معي، وبعد ساعة واحدة شاهدته وسط المتظاهرين ضدي في الميدان أمام مبنى البرلمان. ولا أدري لماذا فعلوا ذلك معي".
وهنالك تجارب حلفاء كثيرين لواشنطن طالهم منطق الغدر الأمريكي بالحلفاء والأصدقاء: "لا صداقة تدوم، ولا وفاء يستمر"، ومنهم الرئيس الباكستاني برويز مشرف، وتجربة شاه إيران محمد رضا بهلوي، وتجربة الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس، وتجربة مانويل نورييغا رئيس بنما، و سوهارتو رئيس اندونيسيا، و بينوشيه ديكتاتور شيلي، و باتيستا ديكتاتور كوبا، و موبوتو رئيس جمهورية الكنغو، وبناظير بوتو رئيسة وزراء باكستان، و جان أيستيد رئيس هاييتي، و عسكر آكاييف حاكم قرقزيستان، والرئيس العراقي صدام حسين، و جعفر النميري الرئيس االسوداني، وغيرهم الكثير والكثير.

نماذج من العملاء تخلت عنهم واشنطن

رئيس بنما "مانويل نورييغا" أقدمت قوة أمريكية على اختطافه، ورحّلته إلى واشنطن ليتم إيداعه السجن وكيل التُّهَم له، منها الاتجار بالمخدرات والاحتيال، لينتهي به المطاف إلى الموت دون أي مساعدة أمريكية حتى لاعتبارات إنسانية.
"ماركوس" الذي كان رئيس الفلبين انتهى به المطاف إلى الفرار مع عائلته إثر موجة من الاضطرابات التي شهدتها الفلبين ضد حكمه، وهو الذي ظل لسنوات مطيعا لأمريكا، بعد أن تحدى شعبه وفتح بلاده على مصراعيها للولايات المتحدة.
الرئيس الإندونيسي "سوهارتو" هو الآخر  وُصف بأنه الحليف الأقوى للولايات المتحدة الأمريكية، منفذا أوامرها بلا استثناء حتى في المجال الاقتصادي والأمن القومي، حتى وُصف بأنه  استحق بجدارة لقب الجنرال الأمريكي في الجيش الإندونيسي ثم في حكم اندونيسيا، لكن عاقبته لم تختلف عمن سبقوه، فقد انتهى به المطاف إلى السقوط إثر ثورة شعبية  اندلعت رفضا لسياسات البنك الدولي التي أنهكت اقتصاد البلد وفاقمت معاناة الناس، فحينما  ثار الشعب عليه كان إعلام واشنطن يصف حكمه -حسب يورد مجدي كامل في كتابه- بالدكتاتورية والجهل والفساد وإساءة استعمال السلطة.
عربيا كان الرئيس التونسي جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي الأمريكي، لا بل مثال الحاكم المطلوب أمريكياً وفرنسياً، لكن عندما فرَّ من تونس -تحت جنح الظلام- امتدح الرئيس الأمريكي باراك أوباما الشعب التونسي على شهامته لتخلصه من طاغية، كذلك رفض أصدقاؤه القدامى في فرنسا وإيطاليا استقباله، لا بل إن باريس طردت على الفور أقاربه من أراضيها.

فيتنام

سنة 1964 أعلنت أمريكا رسمياً الحرب على الجبهة الشعبية الفيتنامية المعروفة بـ"فيت كونغ" داعمة بذلك مرتزقتها في فيتنام الجنوبية، وقد تذرع الرئيس الأمريكي وقتها، ليندون جونسون، بحادثة مهاجمة قوات "الفيت كونغ" سفينةَ استطلاع تابعةً للبحرية الأمريكية، ليرفع عدد قواته على الأرض الفيتنامية إلى 184 ألفاً نصرة لحليفه الفيتنامي الجنوبي.
أخذ الوجود الأمريكي في فيتنام بالتصاعد، ليصل مع حلول سنة 1968 إلى نصف مليون جندي، ولكن كل تلك القوات لم تحقق أي تقدم أو تحرز أي نصر ضد المقاومين الفيتناميين، ما دفع بأمريكا إلى توجيه ضربات عسكرية قاسية، ونفذت أبشع المذابح بحق المدنيين في محاولة إخضاع المقاومين الفيتناميين، ولكن رغم ذلك لم تحقق أي نتيجة. سنة 1968 وتزامناً مع احتفالات السنة القمرية لدى الفيتناميين، نظم جيش فيتنام الشمالي ورفاقهم من مقاتلي "فيت كونغ" هجوماً كاسحاً سمي بـ"هجوم تيت"، استهدفوا به أكثر من 90 نقطة حساسة لقوات العدو الأمريكي،  منها مركز قيادته، وكبدوه خسائر كبيرة في المعدات والأفراد. الهجوم فشل في تحقيق انتصار للشيوعيين لكنه خلط أوراق واشنطن الداخلية، حيث بلغ الشعور المعادي للحرب وسط رأيها العام أقصى مداه، كما سادت الخيبة وانخفاض المعنويات بين الجنود الأمريكيين. ما دفع الرئيس الجديد وقتها، ريتشارد نيكسون، إلى خيار "فتنمة الحرب"، أي رد الحرب إلى أصحابها تمهيداً للانسحاب، في قرار سيكون القشة التي كسرت ظهر بعير الحملة الأمريكية على فيتنام. طوال 1970 خفض عدد الجنود الأمريكيين في فيتنام إلى أكثر من النصف، كما انطلقت بعدها سنة 1972 محادثات سلام عسيرة ضمت الأطراف المتقاتلة بباريس الفرنسية، ارتكبت بالتزامن معها مجزرة في هانوي لإجبارها على البقاء على طاولة المفاوضات، فأفرزت معاهدة لوقف إطلاق النار وقعت سنة 1973. اتفاق سرعان ما تم نقضه، وشنت قوات "فيت كونغ" هجوماً كاسحاً تهاوت أمامه خطوط جيش الجنوب واحدة تلو الأخرى. رغم قوة وتطور سلاح قوات سايغون، حيث كانوا يفوقون أعداءهم بثلاثة أضعاف من المدفعية وضعف عدد من الدبابات والعربات المدرعة، إضافة إلى 1.400 طائرة، وتفوق عددي بنسبة اثنين إلى واحد في القوات القتالية.
وصولًا إلى ربيع 1975، حيث ربح "الفيت كونغ" كل معارك هجومهم، على رأسها معركة "هانوي" التي تكبد فيها الجنوبيون المدعومون من أمريكا خسائر فادحة. فيما كانت هانوي تسارع إلى حسم الحرب، مستغلة التقدم الكاسح ومعنويات مقاتليها العالية، بالدخول إلى سايغون. فشنوا هجوماً أخيراً عليها، قابلتهم فيه مقاومة شرسة سرعان ما انهارت، ودخل "الفيت كونغ" إلى العاصمة الجنوبية، وباستقالة مريرة لرئيسها متهماً الولايات المتحدة بالخيانة، وأمام فرار الأمريكيين ومتعاونيهم جواً من المدينة.
كان للتجربة الأمريكية في فيتنام أثرٌ عميقٌ على النهج الأمريكي في الحرب، وعلى ثقة النفس الأمريكية في فعاليتها وقدرتها على استخدام قوتها العسكرية لتحقيق أهداف سياسية وفرض نتائج سياسية تناسبها. كما أصبحت التجربة الأمريكية في فيتنام متلازمة نفسية (Vietnam Syndrome)، ما تزال حتى اليوم تؤرق صانع القرار الأمريكي، وتؤثر في منحى القرارات المتعلقة بدخول حروب جديدة أو الامتناع عنها.
ولكن بالرغم من الهزيمة الأمريكية القاسية إلا أن النتيجة لم تتوقف عند هذا، فسرعان ما لقي المرتزقة والمتعاونون مع القوات الأمريكية مصيراً مأساوياً، إذ رفضت واشنطن نقلهم في طائراتها وسفنها، وتم رميهم من فوق سلالم الطائرات والسفن في حادثة ما تزال أمريكا تكررها بلا مبالاة. والغريب أن المرتزقة لم يتعلموا الدرس فسرعان ما وجدت لها أمريكا بدائل في دول أخرى.

 ماذا عن أدوات أمريكا في اليمن

لم تكن أدوات أمريكا في اليمن ــ من سعودية وإماراتية ومرتزقة تائهين في رمال الولاء المأجور ــ سوى صفحة جديدة تضاف إلى سجلٍّ طويل من الخيبات التي كتبتها واشنطن بمداد الخذلان، فالتاريخ لا يكذب، والذاكرة لا تصدأ؛ كل من راهن على ظل أمريكا صار يوما بلا ظل، وكل من احتمى بحمايتها اكتشف متأخرا أنها حماية مهترئة.
كم من حاكم طوّع إرادته لواشنطن انتهى منفيا أو مقتولا أو متروكًا على أبواب المطارات، يفتّش عن رحلة أخيرة تنقذه من المصير الذي صنع لنفسه بيديه، وكم من سياسي رقص على إيقاع البيت الأبيض، فإذا به يسقط من سلّم الحماية الأمريكية في اللحظة التي ظنّ فيها أنه بلغ القمة، وكم من مرتزق ظنّ أن الدولار درع لا يُخترق، فإذا به مجرّد رقم في قائمة تمحى حين تتبدّل الريح أو يتغيّر المزاج في غرف القرار.
وفي اليمن، حيث تشتدّ العواصف وتتكشّف الحقائق، تكاد أدوات أمريكا لا تبصر أنها تسير نحو المصير ذاته، وأنّ نهاية المرتزق ليست سؤالًا مفتوحًا بل نتيجة حتمية كتبها التاريخ قبلهم، فالسعودية والإمارات ومن في ركبهما من المرتزقة ليسوا سوى أدوات مؤقّتة، تُستعمل حين يحتاجها المشروع الأمريكي، ثم ترمى بلا أسف حين تستنزف وظائفهم ويحين موسم الاستغناء.

هي معادلةٌ لا تتغيّر "واشنطن لا تعرف حليفًا، بل تعرف وظيفة"، وحين تنتهي الوظيفة ينتهي صاحبها؛ لذلك، كل من هرول وراءها مخدوعًا بوعود الدعم والحماية سيكتشف أنه كان يسير إلى مصيره لا إلى نجاته، وأن الأمريكي الذي يتزعم حماية الملوك اليوم هو ذاته الذي يدفعهم إلى الهاوية غدًا دون أن يأسف عليه.
وسيبقى اليمن وحده، بقضيته وكرامته، هو الثابت في معادلة تتبدّل فيها الوجوه وتتساقط فيها الأدوات، أمّا أولئك الذين اختاروا العمالة وبيع الأرض مقابل وهْم القوة، فلن يكونوا في منأى عن النهاية التي عرفها كل المرتزقة في صفحات التاريخ: نهاية تبدأ بالتبعية، وتنتهي بالانهيار، وتكتب دائمًا بلا مجد.