موقع أنصار الله . تقرير
لا يزال الوضع المأساوي في غزة يزداد قساوة، فالجميع في غزة بين مترقب لغارة جوية أو رصاصة قناص إسرائيلي، أو جريح بلا دواء، وطفل ينتظر معبرًا لا يُفتح. تحت سماء لا تفارقها طائرات العدو، وعلى أرض أُنهكت بالقصف والتجريف، تتواصل واحدة من أقسى المآسي الإنسانية في العصر الحديث، تُدار بآلة عسكرية صهيونية، ويُؤمَّن استمرارها بغطاء أمريكي كامل.
الدعم الأمريكي غير المشروط للكيان الإسرائيلي شريان يغذّي آلة الإبادة: تمويل، أسلحة، ذخائر، قطع غيار، دعم لوجستي، وتعاون استخباراتي؛ عناصر تُسلم تباعًا لتُترجم على الأرض قتلًا مباشرًا للمدنيين، وتدميرًا ممنهجًا للمنازل، واستهدافًا لمراكز الإيواء، وتشديدًا للحصار الذي يخنق أكثر من مليوني إنسان.
عضو مجلس الشيوخ الأمريكي "ليندسي غراهام" -وبكل وقاحة- دعا أمس الأحد -خلال زيارته للكيان الإسرائيلي- إلى استئناف حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة ولبنان بمزاعم عدم تحلي حركة حماس وحزب الله عن سلاحهما. وأضاف “وإذا لم تفعل حماس ذلك، سأشجع الرئيس (الأمريكي دونالد ترامب) على إطلاق العنان لإسرائيل للقضاء على حماس”. مدَّعياً أن المرحلة الثانية من الهدنة ستفشل إذا بقيت “حماس” محتفظة بسلاحها.
في غزة، يُقتل الناس بالقنابل وبالجوع والبرد والمرض، فالحصار المفروض والمدعوم أمريكيًا عطّل دخول الغذاء والدواء ومستلزمات الإيواء، وترك مئات آلاف النازحين في خيام ممزقة لا تصمد أمام منخفض جوي، وخلال شهر واحد فقط قُتِل مدنيون، بينهم أطفال، بسبب البرد، بعدما دمرت الرياح والأمطار عشرات آلاف الخيام، فيما تُمنع الكرفانات والمعدات الأساسية من الدخول.
وتحت ذريعة التفاوض واشتراطات أمنية، جرى رهن أبسط الحقوق الإنسانية كالغذاء والعلاج والمأوى بمسارات سياسية معقدة، في خلط فجّ بين ما هو تفاوضي وما هو حق إنساني غير قابل للمساومة، فالعدو الإسرائيلي يربط وقف النار و تخفيف الحصار باستعادة جثة أو تحقيق شروط ميدانية مستحيلة، وذلك ليس سوى تواطؤ معلن في إدامة العقاب الجماعي.
رئيس وحدة المعلومات في وزارة الصحة بغزة، زاهر الوحيدي أفاد بأن:
- نحو 1500 طفل ينتظرون فتح المعابر للسفر وتلقي العلاج في الخارج.
- ما يقارب 110 آلاف طفل يعانون من سوء التغذية.
- نحو 9500 طفل يعانون من سوء تغذية حاد.
- 42% من النساء الحوامل في قطاع غزة يعانين من فقر الدم.
- استشهاد 1200 مريض بينهم 155 طفلاً بسبب عدم إجلائهم خارج القطاع لتلقي العلاج.
- القطاع الصحي يعاني من انخفاض في الأدوية الأساسية بنسبة 52%.
- 99% من عمليات العظام في مستشفيات القطاع متوقفة لعدم توفر الأدوات والمعدات اللازمة لتلك الجراحات.

وفي وقت سابق حذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، من تصاعد خطر المجاعة في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن أكثر من 100 ألف طفل و37 ألف امرأة حامل ومرضع مهددون بسوء تغذية حاد بحلول أبريل 2026. وأوضح أن أسوأ السيناريوهات -بما في ذلك تجدد "الصراع" ووقف تدفق المساعدات الإنسانية- قد تضع كامل قطاع غزة أمام خطر المجاعة بحلول منتصف أبريل 2026.
ولفت إلى أن نحو 50% فقط من المرافق الصحية في غزة تعمل بشكل جزئي، وتعاني نقصًا حادًا في الإمدادات والمعدات الأساسية، التي غالبًا ما تواجه قيودًا وإجراءات معقدة عند إدخالها.
القطاع الصحي في غزة يواجه خطر الانهيار الكامل. أكثر من 50% من المرافق الصحية تعمل بشكل جزئي فقط، وتعاني نقصًا حادًا في الإمدادات الطبية. وتشير بيانات وزارة الصحة في غزة إلى أن:
- 321 صنفا دوائيا أساسيا بلغ رصيدها صفر في مخازن الوزارة.
- 710 أصناف من المستهلكات الطبية وصلت الصفرية.
- 38 % نسبة العجز في خدمة الطوارئ والعناية المركزة، ما قد يحرم 200 ألف مريض من خدمة الطوارئ، و100 ألف مريض من العمليات، و700 من العناية المركزة .
- 650 مريضا حرموا من غسيل الكلى بسبب العجز في قائمة خدمة الكلى.
- 70 % نسبة العجز في قائمة أدوية الأورام العلاجية، ما حرم ألف مريض من الخدمة.
- 62 % من أدوية الرعاية الأولية غير متوفرة، وما يتوفر "لا يلبي الاحتياج الحقيقي للمرضى البالغ عددهم 288 ألفا و208".
- توقف كامل لخدمات القسطرة القلبية والقلب المفتوح.
- غياب كامل للأدوية والمستهلكات الطبية.
- 99 % من عمليات العظام المجدولة توقفت نتيجة "عدم توفر مثبتات العظام، والاحتياجات الضرورية لإجراء العمليات المعقدة والصعبة".
- 59 % من الفحوصات المخبرية الأساسية غير متوفرة، من بينها "أصناف يترتب عليها تدخلات علاجية منقذة للحياة، مثل فحوصات صورة وأملاح الدم، وتحديد وحدات الدم، والمزارع البكتيرية، والفحوصات الطبية لمرضى الفشل الكلوي".

ومع كل ذلك، لا يتوقف التدمير، صور الأقمار الاصطناعية تكشف ما تحاول الرواية الرسمية إخفاءه: هدم منهجي واسع بعد وقف إطلاق النار، أحياء كاملة تُسوى بالأرض، ومناطق تُفرغ من سكانها لتُعاد هندسة الجغرافيا والديموغرافيا بالقوة. أكثر من أربعة أخماس غزة دُمّرت كليًا أو جزئيًا، وملايين الأطنان من الركام باتت شاهدًا صامتًا على سياسة الإزالة الشاملة.
وأظهرت صور التقطها قمر اصطناعي تابع لشركة (Planet Labs)، وقورنت بصور أُخذت بعد أيام قليلة من بدء وقف إطلاق النار، أن مباني كانت قد تضررت خلال الحرب جرى تسويتها بالكامل بالأرض لاحقًا، بواسطة آليات هندسية تابعة للعدو الإسرائيلي.
ووفق ما أوردته صحيفة “هآرتس” العبرية، اليوم الاثنين، امتدت أعمال الهدم على مساحة تُقدّر بمئات الدونمات شرقي ما يُعرف بـ”الخط الأصفر”.
وفي السياق ذاته، أظهر تحليل أجرته منظمة Forensic Architecture البريطانية -استنادًا إلى صور أقمار اصطناعية- أن العدو الإسرائيلي أقام -بعد وقف إطلاق النار- 13 موقعًا عسكريًا جديدًا على طول “الخط الأصفر”، معظمها في شمال قطاع غزة وشرقي خانيونس.
وأضافت المنظمة أن عدد المواقع العسكرية التي أنشأها العدو الإسرائيلي على امتداد هذا الخط بلغ 48 موقعًا داخل القطاع، إلى جانب توسيع شبكة طرق تربط بين هذه المواقع وبين مناطق داخل الكيان الإسرائيلي، وشق شارع جديد في منطقة خانيونس. كما أشارت إلى توسيع عمليات الهدم في خانيونس، وإزالة كميات كبيرة من الركام في رفح.
وكان مركز الأقمار الاصطناعية التابع للأمم المتحدة قد أفاد -في أكتوبر الماضي- بأن العدو الإسرائيلي دمر خلال الحرب نحو 81% من إجمالي المباني والبنية التحتية في قطاع غزة، بشكل كلي أو جزئي. ووفق بيانات المركز، جرى تدمير 123,464 مبنى بالكامل، وتضرر 12,116 مبنى بشكل بالغ، فيما لحقت أضرار جزئية بـ33,857 مبنى.

إلى جانب مسؤولية الكيان الإسرائيلي المباشرة، تتحمّل الإدارة الأمريكية مسؤولية واضحة في استمرار جريمة الإبادة الجماعية، عبر تقديم الدعم الذي يُمكّن العدو الإسرائيلي من مواصلة إجرامه، وتعليق التدابير الإنسانية الأساسية، وربطها باشتراطات أمنية وإجرائية يصعب تحقيقها في ظل تدمير نحو 85% من القطاع.
غزة اليوم شاهد حيّ على الإجرام والوحشية الصهيونية اليهودية التي لا تتورع عن ارتكاب الجرائم دون التزام بأي قانون أو أخلاق، ورغم الشواهد الكثيرة على الوحشية الصهيونية إلا أن العالم يستمر في تغاضيه أمام شرذمة من القتلة والمجرمين، خوفا من بطشهم وإجرامهم، لكن النتيجة في الأخير ستكون وبالا على كل المتخاذلين، فالإجرام الصهيوني اليهودي لن ينجو منه أحد.