تتوالى الشواهد على فشل العدو الصهيوني في تحقيق أهدافه في غزة، في مقابل صمود أسطوري وبطولات غير مسبوقة تسطرها المقاومة الفلسطينية، ما يعكس إرادة قوية واستمرارية جهادية تستمد عزيمتها من التعاليم الإسلامية وتاريخ طويل من الجهاد والصمود. لم تعد هذه الحقيقة مجرد كلمات أو استنتاجات نظرية، بل أصبحت واقعاً يعترف به العدو قبل الصديق.

إن ما يحدث في غزة هو صراع إرادات يستمد عناصره من العقيدة الراسخة والإيمان العميق بقضية العدل والحق، وهو ما يجعل قدرات العدو تتضاءل أمام تلك العقيدة المتجذرة في وجدان الشعب الفلسطيني لاسيما وأن المقاومة كنهج جهادي هي تعبير عن إرادة حرة موحدة لرفض الاستسلام، تكرسها خطط محكمة وتضحية الأبطال الذين يضحون من أجل قضية الأمة المركزية.

آلة الحرب الصهيونية تتعثر.

الآلة العسكرية التي لطالما تغنى العدو الصهيوني بقوتها، تجد نفسها اليوم غارقة في مستنقع غزة. كمائن نوعية، عبوات تفتك بجنود وأليات العدو، تفخيخ المنازل. عمليات قنص محكمة. استهداف بالصواريخ والهاوانات.

 صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية كشفت عدد القتلى والجرحى في صفوف العدو تجاوز 10 آلاف جندي صهيوني. يؤكد موقع "والا" الإسرائيلي، نقلاً عن مصادر أمنية في الكيان، أن "كتائب القسام... نجحت في جمع معلومات استخباراتية دقيقة عن جيش الاحتلال... وتستخدمها في هجماتها". هذه الدقة الاستخباراتية مكنت المقاومة من تنفيذ عمليات نوعية وموجعة

كما أكد المؤكد على أن قدرة المقاومة على "تعيين قادة ميدانيين جدد، وإدارة منظومة القتال بأسلوب حرب العصابات من خلال نظام أوامر منظم"، رغم كل الضغوط، دليل قاطع على متانة بنيتها وقدرتها على التكيف والصمود.

"كمين المركب" في بيت حانون الذي أدى إلى اعتراف المتحدث باسم جيش الاحتلال آفي ديفرين بـ"مقتل 4 من كتيبة "نيتسح يهودا" وآخر من "لواء الشمال" هو خير دليل على هذه البطولات. هذه العمليات النوعية لا تكتفي فقط بإيقاع الخسائر في صفوف العدو، بل تعكس أيضاً الفشل الاستخباراتي والعملياتي لقوات العدو في مواجهة مجموعات تتحرك بذكاء وتستغل في بناء تكتيكاتها الذكية والعملية كل ثغرة.

عمليات المقاومة في غزة منذ مارس 2025.. فاتورة استنزاف يومية

لقد ترجمت هذه التكتيكات الذكية التي تتبعها المقاومة الفلسطينية إلى سلسلة من العمليات النوعية التي تكبد العدو الإسرائيلي خسائر مستمرة. بل لم تعد تلك العمليات تُنفذ على هيئة حوادث متفرقة، فقد باتت تشكل فاتورة استنزاف يومية تضعف من قدراته، وتحول كل خطوة لجنوده إلى تهديد وجودي.

في 19 أبريل 2025، نصبت المقاومة كميناً قرب السياج الحدودي شرق بيت حانون، أسفر عن مقتل جندي صهيوني وإصابة 3 آخرين. وبعد أيام قليلة، في 24 أبريل 2025، شهدت المنطقة ذاتها، قرب بيت حانون، كميناً مركباً آخر نتج عنه مقتل قائد دبابة وإصابة 3 جنود صهاينة آخرين. ولم يمضِ وقت طويل حتى شهد يوم 25 أبريل 2025 اشتباكات عنيفة شمال وجنوب قطاع غزة، أدت إلى مقتل جنديين صهيونيين وإصابة 8 آخرين .

مع بداية شهر مايو، استمرت العمليات؛ ففي 3  مايو 2025، أسفر تفجير فتحة نفق في رفح عن مقتل ضابط وجندي صهيوني وإصابة اثنين. ثم في 8  مايو 2025، أدت معارك ضارية في رفح إلى مقتل جنديين صهيونيين وإصابة ضابطين وجنديين آخرين بجروح خطيرة. وفي 10 مايو 2025، تعرض حي الشجاعية شرق غزة لانفجار عبوة ناسفة أدت إلى إصابة 9 جنود احتياط، بينهم ضابطان كبيران.

 في منتصف الشهر، وتحديداً في 19 مايو 2025، قُتل جندي واحد في معارك شمالي قطاع غزة، تلاه مصرع جندي صهيوني آخر في 21 مايو 2025 بتفجير عبوة ناسفة في مبنى بمدينة خان يونس. واختتم الشهر في 28 مايو 2025 بمقتل جندي صهيوني وإصابة 3 آخرين بتفجير استهدف جرافة شمالي القطاع، تبعه هجوم بقذيفة "آر بي جي" جنوبي القطاع.

مع دخول شهر يونيو، تصاعدت حدة العمليات. ففي 2 يونيو 2025، أدى كمين محكم في جباليا شمالي قطاع غزة استهدف آلية عسكرية إلى مقتل 3 جنود صهاينة وإصابة 11 بجروح. وفي اليوم التالي، 3 يونيو 2025، قُتل جندي صهيوني واحد وأصيب آخر برصاص مقاتل فلسطيني في حي الشجاعية شرق غزة، بالإضافة إلى إصابة جنديين وعنصر من "الشاباك" في جباليا، ليصبح المجموع قتيلاً و4 مصابين في ذلك اليوم.

وشهد يوم 6 يونيو 2025 تفجيراً لعبوة ناسفة في منزل ثم انهياره قرب بلدة بني سهيلا بخان يونس، أسفر عن مقتل 4 جنود صهاينة وإصابة 5 آخرين. وفي 14 يونيو 2025، قُتل جندي صهيوني واحد في معارك جنوب قطاع غزة.

لم تتوقف العمليات النوعية عند هذا الحد، ففي 16 يونيو 2025، أدى انفجار عبوة ناسفة في مبنى مفخخ بخان يونس إلى مقتل ضابط صهيوني وإصابة ثلاثة آخرين. وبعد ساعات قليلة من نفس اليوم، قُتل جندي صهيوني آخر وأصيب 9 بجروح إثر تفجير عبوة ناسفة في ناقلة جند بخان يونس، ليصل إجمالي اليوم إلى قتيلين و12 مصاباً. ثم جاء يوم 18 يونيو 2025 ليشهد مقتل جندي صهيوني قنصاً في خان يونس. أما 24 يونيو 2025، فقد كان يوماً صعباً على جيش العدو، حيث أسفرت عملية للمقاومة ضد ناقلة جند بخان يونس عن مصرع ضابط و6 جنود صهاينة، وإصابة 17 جندياً صهيونيا آخرين، ليصبح المجموع 7 قتلى و17 مصاباً. ومع اقتراب نهاية الشهر، وفي 29 يونيو 2025، لقي جندي صهيوني مصرعه بانفجار عبوة ناسفة استهدفت قوة من "سلاح المدرعات" في خان يونس.

واستمرت فاتورة الاستنزاف مع حلول يوليو؛ ففي 2 يوليو 2025، أدى استهداف دبابة بصاروخ مضاد للدروع شمالي قطاع غزة إلى مقتل جندي صهيوني وإصابة اثنين. ثم في 4 يوليو 2025، وقع حادثان، الأول شمالي قطاع غزة والآخر في خان يونس، أسفرا عن مقتل جنديين صهيونيين وإصابة 4 آخرين.  وفي  6 يوليو 2025، نفذت المقاومة كميناً محكماً ومركباً في بيت حانون شمالي القطاع، أدى إلى مقتل 5 جنود وإصابة 14 ضابطاً وجندياً في صفوف العدو.

في 8 يوليو أكدت القسام تمكنها استهداف قوة صهيونية راجلة بقذيفتين مضادتين للأفراد والاشتباك مع أفراد القوة بالأسلحة الخفيفة وإيقاعهم بين قتيل وجريح في منطقة الهواشي بحي الشجاعية شرق مدينة غزة.

من ضمن العمليات النوعية، عملية الإغارة التي نفذها مجاهدو القسام في الـ9 من يوليو على تجمع لجنود وآليات العدو في منطقة عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس جنوب القطاع، حيث استهدفوا دبابة "ميركفاه" وناقلة جند صهيونيتين بقذائف "الياسين 105"، كما استهدفوا حفّارين عسكريين بقذائف "الياسين 105".  وبعدها تقدم المجاهدون صوب جنود العدو واشتبكوا معهم بالأسلحة الخفيفة وحاولوا أسر أحد الجنود إلا أن الظروف الميدانية لم تسمح بذلك فقاموا بالإجهاز عليه واغتنام سلاحه.

هذه البيانات، كما تقر بها مصادر العدو، تظهر أن "كتائب القسام... نجحت في جمع معلومات استخباراتية دقيقة عن جيش العدو وتستخدمها في هجماتها المنظمة.

المقاومة تحكم قبضتها على الميدان

إن صمود المقاومة الفلسطينية، الذي أثار ذهول المحللين وأقر به العدو نفسه، لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج تكتيكات عسكرية محكمة، تعتمد على استغلال نقاط الضعف لدى العدو ، وتوظيف الإمكانات المتاحة بأقصى درجات الفعالية. هذه التكتيكات، كما تصفها التقارير الإعلامية العبرية، تعكس فهماً عميقاً لطبيعة المعركة، وقدرة فائقة على التكيف مع الظروف المتغيرة.

أحد أبرز عوامل نجاح المقاومة هو تفوقها في جمع المعلومات الاستخباراتية. فبحسب موقع "والا" الإسرائيلي، فإن هذه الدقة الاستخباراتية هي حجر الزاوية الذي تبنى عليه كافة العمليات اللاحقة. فالمقاومة تعرف تحركات العدو، تمركزاته، نقاط قوته وضعفه، بل وحتى التحديات اللوجستية التي يواجهها جنوده. هذه المعلومات تُمكنها من شن هجمات مفاجئة ودقيقة، وتجنب الكمائن، واختيار التوقيت والمكان الأمثل لتنفيذ ضرباتها.

وعلى الرغم من الفارق الهائل في التسليح والتدريب، إلا أن المقاومة نجحت في إفشال تفوق جيش العدو التقليدي من خلال تبني تكتيكات حرب العصابات بذكاء لافت. يشير "والا" إلى أن "حماس... تدير منظومة القتال بأسلوب حرب العصابات من خلال نظام أوامر منظم ينتقل من القيادة في مدينة غزة ومن مخيمات الوسط إلى باقي محاور القتال".

إلى جانب التكتيكات العسكرية، يبرز الصمود الروحي والمعنوي كعنصر حاسم في معادلة المقاومة. فبينما يعاني جنود العدو من "المعاناة النفسية والأعباء الجسدية الشديدة" كما أوردت "يديعوت أحرونوت"، يُظهر مجاهدو المقاومة إصراراً لا يتزعزع على مواصلة القتال، مدفوعين بإيمان راسخ. هذا الصمود المعنوي يتحول إلى سلاح فتاك يُفقد العدو توازنه، ويجعله يواجه خصماً لا يعرف اليأس. هذه التكتيكات مجتمعة، المدعومة بإرادة لا تنكسر، هي التي أفشلت مخططات العدو وأبقت غزة صامدة، رغم حجم الدمار الهائل والعدوان المستمر.