في زنزانةٍ ضيقة بسجن "جانوت" التابع للعدو الصهيوني، يئن الأسير الفلسطيني زياد بزار، البالغ من العمر 50 عاماَ، من آلامٍ حادة في أسنانه، وتتلاشى الرؤية أمام عينيه شيئاَ فشيئاَ، فعدسات نظارته القديمة لم تعد تُسعفه، وباتت صور أحبته تتوه في ضباب الألم. زياد، الذي وقع في قضبة العدو الصهيوني في الأول من يوليو 2004 وحكم عليه العدو بالسجن 23 عاماَ، هو واحدٌ من مئات الأسرى الذين يواجهون إهمالاَ طبياَ متعمداَ، يحوّل السجون إلى غرف موتٍ بطيء.

وفي ذات السجن، يعيش الأسير الفلسطيني محمد شماسنة، 56 عاماَ، مأساةً أخرى لا تقل قسوةً. جسده منهكٌ بمرض "السكابيوس" منذ عامٍ كامل، تلقى العلاج ثلاث مراتٍ في نوفمبر ويناير وأبريل الماضية، لكن دون جدوى. الآن، تُغطّي الدمامل جسده، يطلب مضاداَ حيوياَ من عيادة السجن، لكن الرفض هو الجواب الوحيد لدى العدو. محمد، الأسير منذ 12 نوفمبر 1993 وحكم عليه العدو الإسرائيلي بثلاث مؤبدات وخمسة وعشرين عاماَ إضافية، يُمثّل شاهداَ حياَ على سياسة الكيان الإسرائيلي التي تُمارس بحق الأسرى، حتى بات بعضهم لا يقوى على ليّ أيديهم لالتقاط الأشياء، وآخرون لا يستطيعون القيام من أماكنهم، ويتناولون الطعام بمساعدة زملائهم. هذه ليست حالات فردية، بل هي جزءٌ من سياسة صهيونية ممنهجة تهدف إلى كسر إرادة الأسرى وتجريدهم من إنسانيتهم.

 

أرقامٌ صادمة.. حكايات الأسرى تتزايد

مشاهد جمة لمعاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو الإسرائيلي، فيها تتكشف فصول من المأساة الإنسانية، تتواصل حكاية الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو.. فصول تزداد قتامةً مع كل يوم يمضي، خاصةً في الفترة الممتدة من أكتوبر 2023 وحتى يوليو 2025. إنها قصة آلاف البشر الذين يواجهون ظروفاَ تفوق القدرة على الاحتمال، في ظل صمت دولي يثير تساؤلات حول فعالية آليات الحماية الدولية.

تُشير الأرقام والوقائع، المستقاة من تقارير حقوقية دولية وبيانات فلسطينية موثقة من هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، إلى أن عدد الأسرى في سجون العدو الإسرائيلي قد ارتفع بشكلٍ غير مسبوقٍ، متجاوزاَ 10,800 أسير حتى بداية يوليو 2025. هذا الرقم لا يشمل المعتقلين المحتجزين في المعسكرات التابعة لجيش العدو، ويُعد الأعلى منذ انتفاضة الأقصى عام 2000. من بين هؤلاء، يوجد أكثر من 450 طفلاً و50 أسيرة، بينهن أسيرتان من غزة.

لم تتوقف المأساة في سجون العدو عند حد الاعتقال، بل امتدت لتلامس أرواحاَ تزهق خلف القضبان. فقد سُجلت حوالي 170 حالة وفاةٍ، نتيجةً للتعذيب الممنهج أو الإهمال الطبي المتعمد، فيما تتدهور صحة العشرات من الأسرى المصابين بأمراضٍ مزمنة، ليكتبوا بآلامهم فصولاً أخرى من الإجرام الصهيوني. وفي شهادةٍ مؤلمة، نقلها أسيرٌ مُحررٌ من سجن الرملة: "العلاج الطبي حلمٌ بعيد.. يُتركون يموتون ببطء".

سجونٌ تضيق بالمعاناة

تكشف التقارير عن إجرام ممنهج يُمارس داخل سجون العدو مثل (النقب، عوفر، جلبوع) التي باتت تُعاني من اكتظاظٍ شديد، متجاوزةً طاقتها الاستيعابية بنسبةٍ تتراوح بين 150% و200%.  حالة الاكتظاظ هي ترجمةٌ حقيقية لواقعٍ مريرٍ يعيشه الأسرى في سجون العدو، حيث يُحشرون في مساحاتٍ ضيقة لا تليق بالبشر.

أما التعذيب الممنهج، فهو فصلٌ آخر من فصول المعاناة. توثق المنظمات الحقوقية حالات ضربٍ مبرح ينفذها جنود العدو بحق الأسرى، وعزلٍ انفراديٍّ يمتد لفتراتٍ تتجاوز الخمسة عشر يوماَ، ليطال 65% من الأسرى، في محاولةٍ لكسر إرادتهم، وتجريدهم من إنسانيتهم. يضاف إلى ذلك حرمانهم من النوم ومنع الزيارات العائلية إلا نادراَ، في سياسةٍ تهدف إلى قطع صلتهم بالعالم الخارجي.

ولعل الأشد قسوة في الإجرام الصهيوني هو الإهمال الطبي المتعمد: مئات الأسرى يُحرمون من أبسط حقوقهم في الحصول على الأدوية والعلاج، خاصةً أولئك الذين يُعانون من أمراضٍ خطيرة كالسرطان وأمراض القلب. هيئة شؤون الأسرى والمحررين كشفت بتاريخ 7 يوليو 2025 عن حالاتٍ في سجن "جانوت" تُعاني من إهمالٍ طبيٍّ قاسٍ، مثل الأسير زياد بزار (50 عاماَ) الذي يُعاني من آلامٍ حادةٍ بالأسنان ويحتاج لنظارةٍ طبية، والأسير عبد الله البرغوثي (31 عاماَ) المصاب بالسكابيوس، وكذلك الأسير محمد شماسنة (56 عاماَ) الذي يُعاني من السكابيوس منذ عامٍ كاملٍ وتلقى العلاج ثلاث مراتٍ دون تحسنٍ كاملٍ، ويرفض العدو الصهيوني إعطاؤه المضاد الحيوي للدمامل التي تنهش جسده.

تقييد الحقوق الأساسية إمعانٌ في الإذلال

لا يكتفي العدو الإسرائيلي بسلب حرية الأسرى، وإنما يمتد إجرامه ليطال أبسط حقوقهم الإنسانية والمدنية. فالحقوق الدينية تُقيّد، فيُمنع الأسرى من أداء الصلاة الجماعية، وتُصادر المصاحف. أما العقاب الجماعي فهو سياسةٌ تُطبق بشكلٍ واسع، من خلال تقييد التواصل مع المحامين، وتخفيض حصص الطعام والمياه، في محاولةٍ لكسر روح الصمود. وحتى كرامة الأسرى تُنتهك عبر تنفيذ عمليات تفتيشٍ عاري الجسد بشكلٍ متكرر، وفق ما وثقته تقارير منظمة "بتسيلم" الحقوقية.

إدارة سجن "عوفر" التابع للعدو فرضت بتاريخ 3 يوليو 2025 شرطاَ جديداَ يقضي بحصر زيارة الأسير بالمحامي الذي مثّله في جلسة "المحكمة" الأخيرة، وهو إجراءٌ يهدف إلى فرض مزيد من التضييقات على متابعة الأسرى. هذا يأتي في ظل "حالة العزل الجماعي غير المسبوقة" التي يواجهها آلاف الأسرى..