موقع أنصار الله . تقرير| علي الدرواني

 

  الصحافة عين الحقيقة ولسان الضمير، هكذا يفترض بها أن تكون، لكنها عند ملوك النفط والرمال تتحول تلك المنابر الإعلامية إلى أداة تضليل خطيرة، تكاد تكون شريكة في الجريمة أكثر من كونها ناقلة للخبر. الصحافة السعودية نموذج صارخ لذلك، إذ تصرّ على قلب الواقع رأساً على عقب، فتغطي المجازر بطلاء من المصطلحات العسكرية المضللة، وتمنح القاتل ذريعة جديدة ليواصل جرائمه.

الواقع واضح.. الكيان الصهيوني يحشد ثلاث فرق عسكرية كاملة، مدججة بالدبابات والطائرات والقذائف، ليطحن عظام الأطفال والنساء في شوارع غزة وأزقتها وتحت ركام ابراجها وبناياتها السكنية، لكن الصحافة السعودية لا تذكر ذلك، وفي أحد نماذجها نرى صحيفة الشرق الأوسط السعودية الصادرة من لندن وهي تعمد إلى تصوير العدوان على غزة بأنه -كما تقول- "هجوم على عاصمة حماس" في مواجهة "٢٥٠٠ مقاتل". هكذا تمسح الصحيفة فكرةَ تهجير قسري لأكثر من مليون فلسطيني، وتتجاهل دماء المدنيين من المشهد، وتستبدل بصورة الجريمة صورةَ معركة متكافئة بين طرفين مسلحين، ليخرج القارئ بانطباع أن ما يحدث مجرد اشتباك عسكري.

هذا التوصيف -قطعا- ليس بريئاً، إنه ممارسة متعمدة للتضليل، أخبث وسيلة من وسائل التحريض والتبرير. فهو -من جهة- يبرئ الجلاد من دماء الأبرياء، ومن جهة أخرى يحوّل الضحية إلى متهم، ويهيئ الرأي العام لقبول استمرار المجزرة، بل وربما التشفي بها.

كما أن الصحيفة في حديثها عما وصفته بـ"عاصمة حماس" إنما تريد أن تغرس في ذاكرة الوعي الجمعي العربي أن هذا الهجوم هو "هجوم على آخر معاقل حماس"، وأن المقاومة قد هُزِمت، فالهجوم على "العاصمة" -في القاموس العسكري- يعني أن الطرف المهاجم قد تفوق، وشارف على إعلان نصره، وهو ما لم يحدث ولن يكون إن شاء الله. لكن هذا الطرح -من صحيفة يفترض أن القائمين عليها عرب مسلمون- فيه دعم صريح للكيان الصهيوني، وتشفٍّ واضح من هزيمة المقاومة إن حدثت.

الأخطر من ذلك أن هذا النهج الإعلامي لا ينظر إليه فقط بكونه أداءً مهنياً منحرفاً، بل هو تعبير صريح عن موقف سياسي واضح: الرياض ليست مع غزة، ولا مع القضية الفلسطينية، ولا حتى على الحياد. بل هي جزء من المؤامرة على الشعب الفلسطيني، من خلال تغليف جرائم الاحتلال بخطاب "الشرعية العسكرية"، وتقديمها على أنها معركة ضد فصيل عسكري أو سياسي، لا ضد شعب بأكمله، وأول المستهدفين هم الأطفال والنساء.

الصحافة هنا تكشف أكثر مما تخفي: تكشف انحياز الممولين، وتفضح الأجندات التي تتحكم بخطها التحريري.

إن الإعلام السعودي بقدر ما يروّج للتبرير للجرائم اليهودية في غزة، فإنه يكشف عورة المتآمرين، من خلال صفحاته الممولة من حكومته، بمال عربي وإسلامي، لكنه موظف لخدمة أجندات تناقض روح العروبة وجوهر الإسلام. إنها صحافة تنطق بلسان غير لسان الأمة، وتعمل على صناعة وعي مشوّه يبرئ العدو ويُجرّم المقاومة، في مشهدٍ يُظهر حجم الانسلاخ عن القضايا المصيرية للشعوب.

وهكذا يتضح أن الخطر الذي يهدد فلسطين ليس فقط في الدبابات الإسرائيلية ولا في الطائرات التي تُمطر السماء بالقذائف، بل في المنابر الإعلامية التي تحوّل المجازر إلى "أخبار عسكرية"، وتقدّم للعدو خدمات مجانية في ميدان الوعي، لا تقل خطورة عن خدمات العملاء في ميدان الحرب، وتتوازى مع الدعم الأمريكي بالسلاح والذخائر القاتلة، لتحقيق ذات الأهداف والمخططات، والتي ليست المملكة إلا واحداً من أهدافها، وللأسف أنها أيضا واحدة من أدواتها، شعر حكامها بذلك أو لم يشعروا.