موقع أنصار الله . تقرير | أحمد داود

دخل قطاع غزة في مؤامرة دولية جديدة بطلها كالمعتاد الولايات المتحدة الأمريكية، وأدواتها الخونة والعملاء من العرب والمسلمين. وبدلاً من قيام مجلس الأمن الدولي بدوره في وقف الإبادة الصهيونية على الفلسطينيين وافق على مشروع قرار أمريكي يشرعن الوصاية الدولية على غزة.
وينص القرار (2803) على "إنشاء قوة دولية مؤقته لتحقيق الاستقرار في قطاع غزة"، تأييداً لخطة ترامب المكونة من 20 نقطة، ومنها وقف إطلاق النار، وإعادة إعمار غزة، وإدارة انتقالية دولية، ونزع سلاح المقاومة، كما ينشئ مجلس سلام، ويرخص باستخدام القوة حتى 2027م، مع تقارير نصف سنوية. وقد وافق على القرار 13 من أعضاء المجلس، وامتنعت الصين وروسيا عن التصويت دون أن تستخدما حق النقض "الفيتو".
ويعتبر التصويت على القرار انتصاراً للرئيس الأمريكي المجرم ترامب، الذي أظهر سعادته الكبيرة، مشيراً إلى أنه سيتم الإعلان عن أعضاء "مجلس السلام بشأن غزة" خلال الأسابيع المقبلة، في حين قال وزير خارجيته: "أصبحنا أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق غزة منزوعة السلاح وخالية من التطرف ومستقرة" حد وصفه.
ولعل أخطر ما في القرار هو نزع سلاح المقاومة، وشرعنة مجلس الأمن لوجود ما يسمى "إدارة انتقالية" يتولاها "مجلس السلام" الذي يرأسه ترامب، وقد اختير في وقت سابق رئيس الوزراء البريطاني توني بلير للقيام بهذه المهمة، وكل هذا يتم بدعم ومباركة وتأييد من قبل بعض الدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها السعودية وقطر وتركيا وباكستان وماليزيا، بهدف وأد المقاومة وطي صفحتها إلى الأبد.
 المندوب الروسي في مجلس الأمن بدلاً من استخدام حق النقض اكتفى بوصف ما حدث "باليوم الحزين"، ورغم هذه السلبية الروسية إلا أن مندوبها أكد أن "نزاهة مجلس الأمن قد انتهكت اليوم باعتمادها لهذا القرار"، لافتاً إلى أن "مسؤولية تنفيذ خطة ترامب تقع بالكامل على أكتاف مؤلفيها وداعميها، في المقام الأول مجموعة الدول العربية والإسلامية"، وكأنه يقول: إذا كانت الدول العربية والإسلامية موافقة على هذه الخطة، فما جدوى أن تعترض عليها روسيا، ولو وجدت إرادة عربية ومعارضة كبيرة لربما لجأت روسيا والصين إلى استخدام حق النقض الفيتو.
من النقاط الخطيرة في مشروع القرار أنه لا يمنح مجلس الأمن أي دور رقابي على وقف إطلاق النار في غزة، وهو أيضاً سيعمق فصل غزة عن الضفة، وسيمنح "مشروعية" لقوات دولية للعمل في القطاع وقتال المقاومة كما يفعل جيش العدو تماماً. بمعنى أن ما حدث هو انكشاف تام للأقنعة، فكيان العدو لن يكون بمفرده في الساحة لمواجهة المقاومة الفلسطينية، وإنما ستشترك معه قوات عربية وإسلامية وأمريكية وغربية، وهذا هو قمة النفاق الدولي، فبدلاً من رفع الظلم على غزة، يتم التآمر بكل وضوح وعلانية لتقسيم وتشريد أهلها، وإلغاء مقاومتها.
نحن -إذاً- أمام لحظة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، ومآسٍ جديدة تنتظر القطاع، وطعنات غادرة وجبانة توجه إلى ظهر المقاومة من قِبل بعض العرب والمسلمين الذين فضلوا الانجرار وراء مخطط ترامب الكافر بدلاً من دعم وإسناد غزة بالأموال والسلاح لتحريرها من الاحتلال الصهيوني.

مصدر قلق بالغ

واعتبر المندوب الصيني في مجلس الأمن -الذي أيضا لم يستخدم "الفيتو"- أن مشروع القرار الأمريكي يمثل "مصدر قلق بالغ"، مؤكداً أن المشروع أغفل ملكية الشعب الفلسطيني لغزة، مستدركاً بقوله: "غزة مملوكة للشعب الفلسطيني وليس أي جهة أخرى، وأن أي قوة أو اتفاق يجب أن يحترم هذا الحق"، لافتاً إلى أن ترتيبات الحكم في غزة ما بعد الحرب غير واضحة، وأن السيادة الفلسطينية والملكية الفلسطينية لم تنعكس بشكل كامل في المشروع.
هذا التصريح الصيني يؤكد بأن المخطط الأمريكي على غزة يهدف إلى احتلالها بطريقة أخرى، واستعمارها، أو انتدابها، أو تحت أي مسمى. وسيكون المستفيد الأول من ذلك هي الولايات المتحدة الأمريكية والمجرم ترامب الذي ينظر إلى القطاع أنه عقار سيجلب له الكثير من الأموال.

رفض فلسطيني صريح للمشروع

حركات المقاومة الفلسطينية -وعلى رأسها حماس- رفضت مشروع القرار، وأكدت أنه يفرض آلية وصاية دولية على قطاع غزة، وهو ما يرفضه الشعب الفلسطيني، وقواه، وفصائله، مؤكدة أن القرار يفرض آلية لتحقيق أهداف الاحتلال التي فشل في تحقيقها عبر حرب الإبادة الوحشية، كما ينزع هذا القرار قطاعَ غزة عن باقي الجغرافيا الفلسطينية، ويحاول فرض وقائع جديدة بعيداً عن ثوابت شعبنا الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة، بما يحرم شعبنا من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وترى المقاومة أن تكليف القوة الدولية بمهام وأدوار داخل قطاع غزة -ومنها "نزع سلاح المقاومة"- ينزع عنها صفة الحيادية، ويحوّلها (القوة الدولية) إلى طرف في الصراع لصالح الاحتلال. ونوهت الفصائل إلى أن "أي قوة دولية -في حال إنشائها- يجب أن تتواجد على الحدود فقط، للفصل بين القوات، ومراقبة وقف إطلاق النار، وأن تخضع بالكامل لإشراف الأمم المتحدة، وأن تعمل -حصرياً- بالتنسيق مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية، من دون أن يكون للاحتلال أيّ دور فيها، وأن تعمل على ضمان تدفّق المساعدات، دون أن تتحول إلى سلطة أمنية تلاحق شعبنا ومقاومته".
ويقود هذا التحرك الأمريكي -الذي يشرعنه مجلس الأمن- نحو المزيد من التصعيد في المنطقة، فالتداعيات لن تكون منحصرة على غزة فحسب، وإنما ستشمل محور المقاومة بالكامل. فهذا تحالف واضح يتشكل ضد القوى الحرة في المنطقة، والهدف من وراء ذلك هو تصفية القضية الفلسطينية ومحو مقاومتها، وتغيير الديموغرافيا لغزة، وتحويلها إلى سوق عقاري لترامب.
 ويضعنا هذا التحول أمام سيناريوهات متعددة، من أبرزها القضاء على القضية الفلسطينية والمقاومة، وذلك من خلال تحرك الولايات المتحدة في غزة بقرار أممي، وبمساعدة قوات محسوبة على الأمة العربية والإسلامية تتولى هي قتال الشعب الفلسطيني في غزة، بدلاً عن جيش الاحتلال المنهك، وهي خطوة خطيرة وقذرة، وتصب في صالح العدو الإسرائيلي.
 ومن ضمن السيناريوهات التي يتمناها أعداء الحرية أن تخضع المقاومة لهذا القرار، وتسمح بتسليم سلاحها، والعيش تحت الوصاية الدولية، وهذا سيعرضها للقمع والاعتقال والمهانة والتنكيل. لكنه سيناريو غير وارد، بحكم أن قوى المقاومة تؤكد أنها لن تقبل بالوصاية، وستدافع عن حقوقها وكرامتها.
أما السيناريو الأخير -وهو المتوقع- أن تتصدى المقاومة لهذا المخطط الخطير الذي يستهدف وجودها، و"يشرعن" احتلال غزة. ورغم إدراكها لهول ما يحاك ضدها إلا أنه خيار الضرورة بالنسبة لها، وهذا يستوجب على محور المقاومة -رغم ما تعرّض له- أن يضغط بكل ما يستطيع لرفض المؤامرة الأمريكية على غزة، وأن يُسخّر لذلك كل إمكاناته ومقدراته لإفشال القرار إذا أصر المتآمرون على تنفيذه.