موقع أنصار الله . تقرير | وديع العبسي

لم يكن الأمر بحاجة لكثير من التحليل لخلفيات المكر والخداع لدى الإدارة الأمريكية لإدراك أن ما دفعت إليه في شرم الشيخ وأسموه "اتفاق وقف إطلاق النار" في غزة لم يكن سوى مسرحية تعرض مشاهد خادعة لسلام كاذب، أول مظاهر النوايا المُبيَّتَة للانقلاب على ما يُسمى اتفاقاً تَرْجَمها الكيان الصهيوني في اليوم الأول من عمر المسرحية، في خروقات لم يَغِب فيها القتل والتدمير وإن بصور أخفّ. بعدها لم يكن غريباً حدوث تصاعد لملامح العدوان بصورته الوحشية.

بدأ الأمر بما يُصطلح عليه بالـ"خروقات"، مارسها الكيان بكل أريحية، فالمُخرج الأمريكي للمسرحية كفيل بأن يوجه الأحداث بالصورة التي تمنع عن "نتنياهو" وعصابته المسلحة أي مساءلة أو انتقاد دولي، ثم أخذت مساراً تصعيدياً ملحوظاً.

فمع تطبيع العالم مع الحالة الشاذة للكيان بعدم التزامه بالاتفاقات، تحولت الخروقات إلى تصعيد للهجمات بصورة وقحة تنسف وجود الاتفاق وتستخف بكل العالم الذي تابع مسرحية "ترامب". إلا أن هذا العالم ظل 'مع ذلك- يحاول مغالطة نفسه بالاتفاق، البعض بلا خيارات، خضَع لعملية الترويض الأمريكية "الإسرائيلية" وسلَّم بتعقُّد المشكلة الفلسطينية تاركاً الأمر لأمريكا، والبعض هو ذاك المتواطئ الذي لا يعنيه أن يستمر الكيان في القتل والإبادة للشعب الفلسطيني.

القفز على المراحل

صعَّد العدو الإسرائيلي من هجماته على غزة وظل المشهد اليومي للعدوان على حاله، واستمرت الأخبار تنقل يوميات القصف والاستهداف "الإسرائيلي"، وسقوط شهداء وتدمير منازل ومركبات في القطاع. أمريكا وبشكل فاضح ليست بعيدة عن هذا التصعيد، السبت أفاد موقع “أكسيوس” الأمريكي -ونقلاً عن مسؤولين في إدارة ترامب- بأن الإدارة تدعم هجمات العدو المحتل على القطاع.

لا تبرير لهذا التصعيد ووقاحة أمريكا التي يُفترض أنها ضامنة لتنفيذ الاتفاق لا أن تدفع للعودة إلى ممارسة القتل. يذهب محللون -ووفقاً لمعطيات المرحلة الأولى من تنفيذ الاتفاق- إلى أن واشنطن، وقد باتت اللاعب الوحيد المتحكم بمسار ما يجري، تريد القفز إلى المرحلة الثانية برؤيتها وطريقتها المُتَرْجِمَة أصلاً للرغبة "الإسرائيلية". وتتجاهل إدارة ترامب -عن قصد- باقي استحقاقات المرحلة وفق ما تضمنه الاتفاق المشبوه، وأبرزها المتعلقة بالمقاتلين داخل "الخط الأصفر"، إضافة إلى دخول المساعدات وفتح المعابر، وهو ما تُطالب به المقاومة، كما شددت عليه القاهرة التي طالبت بسرعة تنفيذ باقي بنود المرحلة الأولى.

اتفاق لذر الرماد

ذروة صَلَف الصهاينة الأمريكيين و"الإسرائيليين" ظهرت في دعوة "نتنياهو" القاهرة لفتح معبر رفح، ليس لإدخال المساعدات وإنما لمغادرة أهالي غزة، ما يؤكد أن مسرحية ترامب للسلام المُوجَّهة من قبل اللوبي الصهيوني لم تكن إلا لذر الرماد على العيون، إذ يتواصل العدوان والحصار والتضييق على أبناء غزة لدفعهم إلى هجر وطنهم. وما قيل قبلاً لا يزال قائماً وجاري العمل عليه.

ومنذ وقف إطلاق النار "الوهمي" في 10 أكتوبر الماضي، استُشهِد حوالي (342) مواطناً وأُصيب حوالي (875) آخرون باستهدافات العدو، ولم يعد هناك من شيء يشير اليوم إلى اتفاق. تؤكد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن الاتفاق انتهى باستمرار "الخروقات"، وقالت "إن تصاعد خروقات العدو الصهيوني يضع الوسطاء والإدارة الأمريكية أمام مسؤولية التصدي لمحاولاته الرامية إلى تقويض وقف إطلاق النار في غزة". واعتبرت الحركة أن ذلك يعكس نوايا واضحة لجَرّ المنطقة إلى جولة جديدة من التصعيد، مؤكدة بأن “الخروقات الصهيونية الممنهجة للاتفاق أسفرت عن ارتقاء مئات الشهداء جراء الغارات وعمليات القتل المتواصلة".

في جانب عملية النسف المستمرة للمنازل والمربعات السكنية، دمّر العدو العشرات منها في المنطقة الشرقية لمدينة غزة، "الأمر الذي أجبر مئات العائلات على النزوح قسراً إلى مناطق داخل مدينة غزة تفتقر كليّاً إلى مقومات الحياة الأساسية”، بما يعنيه ذلك من أزمات إضافية وخطيرة ستهدد حياة السكان مع دخول فصل الشتاء، وهو ما أكّده الناطق باسم الدفاع المدني الفلسطيني في القطاع، محمود بصل.

احتلال غزة من بوابة الاتفاق

مخطط قتل وتهجير ما تبقى من الفلسطينيين لا يزال قائماً، وتتم هندسته بطريقة مكشوفة، وهو مخطط موازٍ لخطة الاتفاق الملتوية، يسعى من خلاله المدعو "ترامب" لتقسيم قطاع غزة إلى مناطق نفوذ، تُدار إحداها بواسطة "الجيش" الإسرائيلي، وتبقى الأخرى تحت سيطرة حركة حماس. كشفت عن ذلك صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، وهو ما يصفع المروجين لتحركات "ترامب" للسلام، إذ لا تزال أطروحات المجرم الأمريكي السابقة حاضرة في سياق ملامح التغيير الذي يريد صنعه في المنطقة وهي التي يسير عليها، لذلك فالشعور بالتناقض والمغايرة والخروج عن "النص" في الاتفاق المزعوم ناتج طبيعي عن التزام المقاومة الفلسطينية ومحور الإسناد بما أُعلن عنه، في الوقت الذي تبقى فيه العقلية الإجرامية المنحرفة للصهاينة تفعل ما تريد كما تريد.

يرى البعض أن رغبة أمريكا فَكْفَكَةَ المقاومة الفلسطينية -كما جاءت عليه خطة ترامب- أمر ليس بالسهل بحيث يمكن تحقيقه في وقت قريب، لذلك يعمل ترامب على خطة موازية لفرض واقع جديد يضيّق على المقاومة، تمهيداً لإنهاء قدرتها على التحرك.

وتقترح الخطة الأمريكية البديلة -وفق الصحيفة الأمريكية- رسم حدود واضحة لمناطق السيطرة، بحيث تكون مناطق حماس باللون الأحمر، ومناطق التي يسيطر عليها العدو الإسرائيلي باللون الأخضر. وفي المناطق الخضراء، تسعى واشنطن لإنشاء ما تُسميه “مجتمعات آمنة بديلة” لإسكان النازحين بشكل مؤقت، مع توفير مُنْشآت تعليمية وصحية.

تأتي هذه المحاولات منسجمة مع أهداف ترامب ونتنياهو، بحيث يجري تقليص نفوذ المقاومة وتضييق الخيارات أمامها، وصولاً إلى إجبارها على الرضوخ لمخطط نشر ما تُسمى بـ"قوة سلام" بتفويض من مجلس الأمن. وتؤكد حركة المقاومة الإسلامية حماس إجراء نشر "قوة سلام" وصاية دولية تهدف إلى فصل غزة عن الشعب الفلسطيني. وكانت الحركة رفضت قرار مجلس الأمن الأخير الذي يؤيد مبادرة إرسال قوات دولية، باعتباره محاولة لفرض نظام جديد يخدم مصالح خارجية، وينتقص من حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال وإدارة مصيرهم.