موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الشامي
تشهد الضفة الغربية والقدس إعداماً للحياة وقتلاً يومياً للسكان، لعل العدد 986 شهيداً و7 آلاف جريحاً يبدو ضئيلاً مقارنة بأرقام مذابح غزة المهولة، لكن الأمر في الضفة يسير على طريق الإبادة ذاتها والتهجير والتصفية للقضية، كل يوم مصابون وشهداء، وكل ساعة أحداث لا تخلو من اعتداءات ينفذّها المغتصبون اليهود أو عصابات جيش العدو الإسرائيلي نفسه.
تقول صحيفة هآرتس العبرية في افتتاحيتها "إن الضفة تّذبح بصمت". تتحدّث في افتتاحيتها اليوم عن جرائم المغتصبين فقط، ناهيك عن الجرائم اليومية والحصار الذي تمارسه عصابات ما يُسمى بالجيش، جيش العدو الإسرائيلي.
تصعيد الساعات الأخيرة في الضفة شمل اقتحامات واعتداءات أسفرت عن إصابات واعتقالات وتدمير وسرقة ممتلكات فلسطينية (بيوت ومزارع)، وتشير الوقائع إلى أن العمليات العسكرية تندرج ضمن مخطط مدروس، يستهدف تدمير البنية الاجتماعية والجغرافية للمناطق الفلسطينية، مع تركيز خاص على المخيمات.
تشهد مدينة جنين ومخيمها منذ 21 يناير 2025 حملة عدوانية واسعة النطاق، جرى فيها تدمير أكثر من 600 منزل بشكل كلي، وتضرر آلاف البيوت الأخرى بشكل جزئي، ما أدى إلى نزوح 22 ألف فلسطيني قسريًّا، وفق تقارير الجنة الإعلامية لمخيم جنين، ويشمل التصعيد الاستيلاء على مئات الدونمات الزراعية في قرية رابا جنوب شرق جنين، حيث قام العدو بالاستيلاء على 2000 دونم مؤخرًا، بالإضافة إلى إخطارات بمصادرة أراضٍ واسعة في بلدة يعبد غرب المدينة.
كما اعتدت قوات العدو على مدني يبلغ من العمر 43 عامًا قرب الطريق الالتفافي لجنين، ضمن مئات الانتهاكات التي وثَّقها الهلال الأحمر الفلسطيني، وترافق هذا التدمير مع اقتحامات ليلية مكثفة، وصباحاً أجبرت قوات العدو سكان عمارة الطاهر في حي الجابريات على إخلائها تحت تهديد الهدم، ونصبت حاجزًا عسكريًّا عند مدخل بلدة يعبد، ما أعاق حركة المرور. وفي رام الله، اقتحمت القوات حي الإرسال، بينما احتجز العدو الأسير المحرر جهاد صالح محمود حميد على حاجز تياسير شرق طوباس.
في مخيمَي طولكرم ونور شمس، تتكرر الصورة القاتمة نفسها، حيث تجاوز العدوان الإسرائيلي طبيعة عملياته الأمنية لتصبح عملية إبادة جغرافية واجتماعية شاملة، وتشير البيانات إلى أن مخيم نور شمس وحده يشهد الحصار والتدمير منذ 141 يومًا متتاليًا، مع هدم 400 منزل كليًّا وتضرر 2573 آخر، ما أدَّى إلى تهجير 25 ألف فلسطيني.
وأعلنت قوات العدو رسميًّا في مايو 2025 عن نيتها هدم 106 مبانٍ في المخيمين: 58 في طولكرم، و48 في نور شمس، بذريعة "فتح طرق وتغيير المعالم الجغرافية"، بينما الواقع أن العدو يمضي في مشروع تهجيرٍ ممنهج على خطوات الضم المعلنة منذ سنوات. واليوم أخطر العدو سكان 104 مبان وبيوت بتدميرها، وقد ناشد محافظ طولكرم المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية للضغط على العدو لمنعه من مواصلة مشروعه التوسعي. وارتفع عدد الشهداء في المخيمات إلى 13 فلسطينيًّا، بينهم طفل وامرأتان، إحداهما حامل في الشهر الثامن.
في أحدث اعتداءاتهم على سكان القدس المحتلة، أقدم المغتصبون اليهود على إطلاق النار الحي باتجاه سكان بلدة "حزما" شمال شرق المدينة، ما أسفر عن إصابة 3 فلسطينيين، وحرق كوخ سكني يعود للمواطن عفيف أحمد رزق عسكر، وفي الخليل، تكرَّرت اعتداءات المغتصبين في قرى "سوسيا" و"خلة الضبع" و"أم الخير"، ما أدى إلى إصابة 8 فلسطينيين على الأقل بجروح متفاوتة خلال 24 ساعة، وفق مصادر طبية فلسطينية، وكانت سوسيا قد شهدت قبل أيام قيام المغتصبين اليهود بإحراق منزل مواطن فلسطيني في منتصف الليل، وحالت الألطاف الإلهية دون مقتل أطفاله السبعة.
وأكدت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) أن هذه الاعتداءات تتم بحماية من جيش العدو، الذي منع وصول سيارات الإسعاف إلى المصابين في حزما، في حين تمركزت قواته على الشارع الرئيس القريب لتأمين المهاجمين.
وفي جنوب نابلس، اقتحمت قوات العدو بلدتي "قصرة" و"مجدل بني فاضل"، ودارت مواجهات عنيفة في قصرة وسط إطلاق كثيف للرصاص وقنابل الغاز، كما دهمت القوات مدرسة ومجلس قرية مجدل بني فاضل، وفي جنين، تبنَّت سرايا القدس تفجيرًا ناسفًا استهدف حاجز سالم غرب المدينة، ما تسبب بإصابات مباشرة في صفوف الجنود، وفق ما أفاد الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
تزامن التصعيد مع تصريحات لرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ومسؤولين آخرين، ترفض إقامة دولة فلسطينية، وتشير إلى نية ضم الضفة الغربية رسميًّا. وبحسب إحصائيات فلسطينية رسمية، استشهد 986 فلسطينيًّا وأصيب نحو 7 آلاف آخرين في الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، وسط مخاوف من انفجار شامل في المنطقة.
وتُظهر الوقائع أن العدو الإسرائيلي لا يستهدف فقط "البنية التحتية للمقاومة"، بل يتعامل مع المخيمات باعتبارها خطرًا وجوديًّا يجب اجتثاثه. ويرى المحللون أن الهدف يتجاوز الأهداف العسكرية التكتيكية نحو محو بيئة المخيمات الفلسطينية كمكان ورمز في الوعي الجماعي، وخلق منطقة عازلة، كما أن الهدم الممنهج للمخيمات يُعد خطوة مدروسة في مشروع تهويدي طويل الأمد لا يستثني شبراً من أراضي فلسطين المحتلة، بل ويتعدّاها إلى دول أخرى، والتي أصبحت موضع نشاطٍ عسكري كبير كما هو الحال في سوريا ولبنان.