باتت المجاعة في قطاع غزة واقعًا لا يُحتمل، ووضعاً قاتمًا يعيشه مليونا فلسطيني محاصرين تحت وطأة الحرمان ونيران القتل، وفي ظل حصار شامل، وتدمير منهجي لمقومات الحياة، وفشل كامل للمنظومة الدولية في وقف جريمة الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق السكان منذ 22 شهرًا، وسط عجز المجتمع الدولي عن وقف هذه الجريمة، علاوة على العجز في تأمين المساعدات الغذائية والصحية، وهو ما مكّن العدو الإسرائيلي من مواصلة جرائمه دون رادع، والإفلات الكامل من المساءلة والعقاب.
الوضع في قطاع غزة بلغ مرحلة كارثية، إثر نفاد جميع المواد الطبية والغذائية والوقود بشكل كامل، ما أدى إلى توقف عمل المستشفيات وإغلاقها بالكامل في مختلف أنحاء القطاع. الطواقم الطبية تعمل في ظروف لا إنسانية، في ظل انعدام مقومات الحياة والرعاية، حسبما أكد مدير مجمع الشفاء الطبي، د. محمد أبو سلمية، اليوم الاثنين، والذي وجه نداء عاجلا إلى العالم لفتح المعابر على الفور، والسماح بدخول المساعدات الطبية والإنسانية لإنقاذ ما تبقى من حياة في غزة، محذرا من أن القطاع يواجه إبادة جماعية ممنهجة، يجتمع فيها القتل بالتجويع والقصف المستمر أمام أعين العالم دون أي تدخل فعلي.
وبلغت مستويات الجوع وسوء التغذية حدودا كارثية، وسط تحذيرات متكررة من الأمم المتحدة بشأن المخاطر التي تهدد حياة عشرات الآلاف من النساء والأطفال، الذين يحتاجون إلى تدخلات طبية عاجلة.
وأعلنت الصحة في غزة توقف الخدمات في مستشفى الخدمة العامة ومحطة الأكسجين المركزية، وتوقف الخدمات في عيادة السلام ومركز الجلاء الطبي ومركز حيدر عبد الشافي الطبي بسبب عدم توفر الوقود نتيجة حصار العدو. مضيفة أن باقي المستشفيات ستتوقف خلال 48 ساعة فقط بسبب عدم توفر الوقود نتيجة الحصار المطبق من قبل العدو الإسرائيلي.
اليوم أعلنت وزارة الصحة في غزة استشهاد 86 مواطنا بينهم 76 طفلاً بسبب المجاعة في قطاع غزة، كما أكدت وصول 77 شهيدا و376 جريحا المستشفيات خلال الـ 24 ساعة الماضية نتيجة جرائم العدو الإسرائيلي لترتفع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 59,106 شهداء 142,511 منذ العدوان على غزة. مضيفة أن 5 شهداء وأكثر من 52 جريحا وصلوا إلى المستشفيات من منتظري المساعدات خلال الـ 24 ساعة الماضية لترتفع حصيلة منتظري المساعدات الذين وصلوا إلى المستشفيات 1,026 شهيدا وأكثر من 6,563 جريحا.
ويوم أمس أكدت وزارة الصحة في غزة وصول 134 شهيدا إلى مستشفيات قطاع غزة (منهم 4 شهــــداء انتشال) و1,155 إصابة خلال (الـ 24 ساعة الماضية)، لترتفع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 59,029 شهيــــدًا و142,135 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م. فيما بلغت حصيلة الشهــــداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 حتى اليوم: 8,196 شهـــيدًا و30,094 إصابة.
وزارة الصحة في غزة أكدت أيضا وصول 99 شهيدا إلى المستشفيات خلال الـ 24 ساعة الماضية من شهـــــداء المساعدات، وأكثر من 650 إصابة، ليرتفع إجمالي شهــــداء لقمة العيش ممن وصلوا المستشفيات إلى 1,021 شهيــــدًا وأكثر من 6,511 إصابة.
يحذر المكتب الإعلامي الحكومي بغزة من أنّ أكثر من مليون طفل في القطاع باتوا على أعتاب مرحلة “الموت الجماعي" مع تواصل الإبادة بالقتل والتجويع الجماعي ضد أكثر من 2.4 مليون إنسان بينهم 1.1 مليون طفل.
يؤكد مكتب الإعلام الحكومي استهداف العدو الإسرائيلي (42) تكية طعام و(57) مركزاً لتوزيع المساعدات والغذاء، واستهدف قوافل المساعدات والإرساليات الإنسانية أكثر من (121) مرة. يأتي هذا في ظل تعرض (650,000) طفل للموت بسبب سوء التغذية والجوع ونقص الغذاء. فيما يواجه (12,500) مريض سرطان الموتَ بسبب الحاجة للعلاج والغذاء.
برنامج الأغذية العالمي أكد أن جنود العدو الإسرائيلي فتحوا النار على الفلسطينيين المجوعين خلال تجمعهم للحصول على المساعدات بشمال غزة، ما أدى لارتقاء وإصابة عدد كبير منهم.
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" أكدت تلقيها يوميًا رسائل استغاثة من زملائها في الأونروا الذين يتضورون جوعًا. في ظل عجزها عن الرد على مثل هذه الرسائل المليئة بالبؤس، ما يجعلها تشعر بالخزي والإحساس بعدم إمكانية فعل أي شي. مؤكدة أن كل هذا من صنع الإنسان، في ظل إفلات تام من العقاب. مشيرة إلى أن الطعام متوفر على بُعد بضعة كيلومترات فقط. و الأونروا وحدها لديها مخزون كافٍ خارج غزة لتغطية احتياجات جميع السكان للأشهر الثلاثة القادمة، لكن لم يُسمح لها بإدخال أي مساعدات منذ الثاني من آذار/مارس. مؤكدة أن ما تحتاجه هو إرادة سياسية، معتبرة أن اللامبالاة تواطؤ.
وأشارت “الأونروا” إلى أن الحصار الذي يفرضه العدو على قطاع غزة منذ مارس/ آذار الماضي، تسبب بارتفاع أسعار المواد الغذائية“ أربعين ضعفا
مدير الإغاثة الطبية بغزة يؤكد أنه في حال عدم إدخال الغذاء إلى القطاع، فإن أرقاماً كبيرة ستكون في عداد الموتى، مضيفا أن كثيرين يحاولون التبرع بالدم لكنهم لا يستطيعون بسبب سوء التغذية وفقر الدم.
المفوضة الأممية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز قالت: "يستهدف الجيش الإسرائيلي الآن الأطفال الجائعين في غزة بإطلاق النار على رؤوسهم،، بينما يُرهب آخرون بمساعدة مجانين عنيفين (المستوطنين) في الضفة الغربية. على مدار الـ 650 يومًا الماضية". كتبت "إسرائيل" واحدة من أحلك الصفحات في تاريخ البشرية. ومن المقزز للغاية أن قيادة الاتحاد الأوروبي كافأت "إسرائيل" بشراكة اقتصادية أوسع، بدلًا من أن تضع حدًا للإبادة الجماعية.
الصحة العالمية أفادت بأن 94% من المنشآت الطبية في غزة تضررت بفعل حرب الإبادة، وبلدية غزة توقف عمل محطة التحلية الرئيسية في شمال مدينة غزة، لتدخل معها مدينة غزة مرحلة شديدة من العطش بعد توقف خط المياه عن العمل.
ويواصل العدو الإسرائيلي استهداف البنية التحتية في قطاع غزة بشكل منظم، واستهداف المرافق الخدمية الحيوية التي لا غنى عنها لحياة السكان، خاصة مرافق المياه والصرف الصحي ومحطات تحلية المياه، ويتعمد استخدام التجويع والتعطيش كسلاح تجاه سكان قطاع غزة، وهي سياسة ممنهجة تصاعدت بشكل خطير في الأسابيع الأخيرة، وتهدف إلى القضاء على السكان كلياً أو جزئياً في سياق جريمة الإبادة الجماعية.
يعتمد قطاع غزة على ثلاثة مصادر رئيسية للمياه: الأول المياه الجوفية من خلال 300 بئر موزعة في جميع أنحاء القطاع (290 بئر تتبع للبلديات، و10آبار تتبع للأونروا)، والثاني محطات تحلية مياه البحر الرئيسية، وهي عبارة عن 3 محطات، واحدة في شمال قطاع غزة، وهي متوقفة تماماً منذ بداية حرب الإبادة، وفي وسط قطاع غزة وفي الجنوب ويعملان بشكل جزئي، والمصدر الثالث مياه الميكروت التي تورد عبر ثلاث وصلات تزود: في الشمال والوسط والجنوب، ويقوم العدو بإيقافها أو فتحها.
وتقع 80% من أصول ومرافق المياه والصرف الصحي الآن داخل مناطق الإخلاء، ويشمل ذلك 97 محطة من أصل 121 محطة لتحلية المياه الجوفية (80%)، و52 من أصل 58 خزانا للمياه (90 %)، و302 من أصل 392 بئراً للمياه (77 %)، و58 من أصل 70 محطة لضخ مياه الصرف الصحي (83 %).
الآبار التي لم يستهدفها العدو عمل على قطع الوقود عنها، فقد أقدم العدو الإسرائيلي على منع إدخال 12 مليون لتر من الوقود شهرياً، وهي الكمية اللازمة لتشغيل الحد الأدنى من آبار المياه ومحطات الصرف الصحي وآليات جمع النفايات وباقي القطاعات الحيوية، كما استهدف (112) مصدراً لتعبئة المياه العذبة من خلال مجازر بحق طوابير منتظري تعبئة المياه. كما قطع مياه “ميكروت” – آخر المصادر الأساسية التي تغذي محافظات غزة بالمياه – ما ضاعف من مأساة العطش والمعاناة اليومية.
مما زاد من تفاقم الأزمة المائية صدور أوامر إخلاء جديدة لمناطق في مدينة دير البلح أمس الأحد الموافق 20/7/2025، التي تقع فيها محطة تحلية المياه المركزية، ما سيتسبب في توقفها عن العمل، ويجعلها عرضة للتدمير أو الإتلاف والسرقة. خاصة وأن هذه المحطة تخدم جميع مناطق وسط قطاع غزة وجنوبه، وكانت حتى مارس 2025، تنتج حوالي 16,000 – 18,000 م³ من المياه يومياً، كونها تعتمد على الكهرباء من الكيان الإسرائيلي، وبتاريخ 9 مارس 2025، قطع العدو آخر خط كهرباء كان يغذي المحطة، وأصبحت تعتمد على الطاقة الشمسية، ما أوقف إنتاج كميات كبيرة من مياه الشرب، وانخفض الإنتاج إلى نحو 2,500 م³ يومياً.
وأوضح المهندس عمر شتات، نائب المدير التنفيذي لمصلحة مياه بلديات الساحل أنه وفقاً لأوامر الإخلاء الأخيرة للمناطق الغربية الجنوبية من دير البلح، فإن محطة تحلية جنوب غزة لتحلية مياه البحر قد أصبحت ضمن منطقة الإخلاء المعلن.
91% من الأسر في قطاع غزة يعانون من انعدام الأمن المائي، حيث يتلقى 65% من السكان في غزة من 3-5 لترات للفرد يومياً لأغراض الشرب والطبخ، في حين يتلقى فقط 35% من سكان غزة أقل من 15 لتراً للفرد يومياً لأغراض الشرب والطبخ والنظافة الأساسية، وهي أقل من الحد الأدنى الإنساني المطلوب في حالات الطوارئ وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
برنامج الأغذية العالمي قال إن أزمة الجوع في غزة بلغت مستويات غير مسبوقة، مؤكدًا أن شخصا من بين كل 3 من سكان قطاع غزة لا يتناول الطعام أياما. مضيفا إن حشود منتظري المساعدات بغزة تتعرض لإطلاق نار من دبابات إسرائيلية وقناصة ومصادر أخرى، رغم أنهم لم يفعلوا شيئا سوى محاولة الحصول على غذاء وهم على شفا المجاعة.
وأكد أن الناس في غزة يموتون بسبب نقص المساعدات، معتبرا أن إطلاق النار أمس الأحد على منتظري المساعدات يعكس الظروف الخطيرة للعمل الإنساني في غزة.
في السياق قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن أطفالًا في قطاع غزة يموتون جوعًا نتيجة النقص الحاد في الغذاء وسوء التغذية، محذرًا من أن القطاع يواجه كارثة إنسانية غير مسبوقة بفعل استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو 22 شهرًا. وأوضح أن “أطفال غزة يعانون من الهزال الحاد، وأن البعض منهم يفقدون حياتهم قبل أن تصل إليهم أي مساعدات غذائية، وأن البحث عن الطعام بات مخاطرة مميتة، حيث يتعرض المدنيون لإطلاق نار أثناء محاولاتهم الحصول على الغذاء”.
وفي الاثناء، قال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن تجويع المدنيين جريمة حرب، ولا يجوز استخدامه سلاحا. وأكد أن العائلات في قطاع غزة تواجه جوعا كارثيا، وأن الأطفال يعانون الهزال، وبعضهم يموتون قبل أن يصلهم الطعام. وأضاف أن الباحثين عن الطعام يخاطرون بحياتهم وتُطلَق النار على كثير منهم، مشددا على أن وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق ضرورة قانونية وأخلاقية.
في صباح يوم الأحد، توجه آلاف المدنيين الذين دفعهم الجوع واليأس بعد نفاد الدقيق بالكامل لأيام متتالية إلى منطقة “الواحة” شمال غرب مدينة غزة، بعد تداول أنباء عن وصول شاحنات محمّلة بالدقيق والمساعدات من جهة “معبر زيكيم”، في محاولة يائسة لتأمين الحد الأدنى من الغذاء لأطفالهم وعائلاتهم، وعند وصول المجموعات الأولى من المدنيين إلى المنطقة، كانت دبابات العدو الإسرائيلي متمركزة هناك، وسرعان ما صدرت أوامر مباشرة من قوات العدو عبر مكبّرات الصوت تقول: “ارفعوا أيديكم ومرّوا من أمام الدبابات، من يريد دقيقًا فليتقدّم”. استجاب نحو 200 شخص للنداء وتقدّموا باتجاه الشاحنات التي قيل إنها تحمل أكياس الدقيق، لكنهم ما إن اقتربوا منها حتى فتح جنود العدو نيرانهم الكثيفة مباشرة نحو رؤوسهم، ليسقط العشرات منهم شهداء في مكانهم، فيما حاول آخرون الزحف والفرار جرحى. وأسفرت المذبحة عن استشهاد 99 مدنيًا وإصابة العشرات، بينهم حالات بالغة الخطورة، حسبما أكد المركز الأورومتوسطي.