موقع أنصار الله . تقرير | وديع العبسي
مرة أخرى يصدّر الأمريكي نفسه كوصيّ على دول المنطقة، كما لا يتوانى عن تقديم نفسه كراع وحام للكيان الصهيوني المحتل، بما يعنيه ذلك من ضمان تمكينه للتحكم في واقع ومستقبل شعوب المنطقة.
اليوم وبالنيابة عن كيان الاحتلال، يخوض الوكيل الأمريكي بقوة في الشأن الداخلي اللبناني، في محاولة للضغط وفرض نزع سلاح المقاومة الإسلامية (حزب الله)، وعلاوة على كون ذلك يؤكد مؤامرة الذهاب إلى تحديث الهيمنة وتمكين العدو من إحكام القبضة على المنطقة، فإنه اعتراف بما تشكله المقاومة من مصدر ازعاج لمشاريعهم الإمبريالية. الإصرار على الذهاب إلى هذه الخطوة يأتي في سياق إنهاء المقاومة في المنطقة، وضمان أمن "إسرائيل".
التعاطي مع سلاح المقاومة بهذه السطحية كما تريد أمريكا هو بذاته تعبير أيضا عن الاستخفاف بدول المنطقة، واستضعاف شديد لها، خصوصا مع علمنا بالثمن (الصفري) الذي يمكن أن يقدم للمقاومة مقابل تسليمها السلاح، ومع علمنا أيضا بأن أمريكا لا تريد أن تكون ضامنة لأي استحقاقات سيتوجب على الكيان الامتثال لها، ما يعني تضييق الخيارات حد العدم أمام السلطة اللبنانية، ليصير الأمر عبارة عن إملاء واضح للتنازل عن السيادة والإرادة، مقابل أن تنعم "إسرائيل" بحرية تحويل دول المنطقة إلى أتباع لا أكثر، وتحويل الأنظمة إلى سلطات محلية تحكم باسم العدو "الإسرائيلي"، وتعمل لصالحه.
تقدم الخطة الأمريكية أو ما تسمى بـ"ورقة براك" وعدا غير مضمون بانسحاب "إسرائيل" من المناطق اللبنانية المحتلة، دون أي تأكيد بأن ذلك سيجري قبل نزع السلاح أو حتى بالتزامن. كما تشير الخطة إلى توقف هجمات العدو الإسرائيلي، وتوقُع -دون ضمان- بأن يفتح تنفيذ نزع سلاح المقاومة باب الدعم المالي الدولي لإعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة في لبنان.
أثبتت جولات المواجهة اللبنانية مع الكيان الصهيوني منذ العام (2000) أن سلاح المقاومة كان ولا يزال صمام أمان أمام لبنان بكل فئاته، وانتزاعه في مثل هكذا ظروف غير موضوعية إنما يهدف إلى تأمين جبهة الشمال لكيان الاحتلال، بحيث يكون له التمدد بلا أي رادع، وهو ما يسعى إليه التحرك الأمريكي. يؤكد المفتي الجعفري أحمد قبلان أن نزع سلاح الحزب سيترك لبنان بلا حماية. فيما ينقل تلفزيون المنار التابع لحزب الله عن "مصادر مطلعة" تأكيدهم بأن "الطلب الأمريكي -باختصار- هو استسلام لبناني كامل أمام العدو الإسرائيلي، من دون أي ضمانات تلزمه بالتقيد".
من هنا يأتي موقف حزب الله حازما، لا يمكن الحديث عن اتفاق جديد بينما العدو لم ينفذ الاتفاق السابق، والعبث بمستقبل الدولة اللبنانية والتأثير السلبي على كل المنطقة من السير مع النوايا الأمريكية، مسألة لا يمكن أن تخضع للنقاش. يقول الشيخ نعيم قاسم "لا أحد يستطيع حرمان لبنان من قوته لحماية سيادته وسياسته وقدراته، ولا أحد يستطيع منع لبنان من أن يكون عزيزاً".
وينطلق الموقف الواضح لحزب الله -الرافض لتسليم السلاح- من كون سبب ظهور المقاومة لا يزال يمثل خطرا لا يمكن التغافل عنه أو تجاهله، وهو العدو الصهيوني الذي يُوجَه إليه هذا السلاح، فلبنان قوي بالمقاومة، ولا يمكن تصور أن تسليم السلاح يمكن أن يكون سببا في استقراره ورخائه.
إدراك حزب الله لهذا الأمر وتحركه على أساسه -بعيدا عن الخضوع لأي تهديد أو مؤثرات خارجية- هو الضامن لإجبار كيان العدو على كف يده عن اللبنانيين، فضلا عن كونه قوة مشهودة ضمن محور المقاومة الرافض للتواجد الإسرائيلي في المنطقة من أساسه.
في 30 حزيران/يونيو 2025 – وخلال كلمة شديد اللهجة عشية انتهاء المهلة الأمريكية لإجبار الحكومة اللبنانية لوضع آلية تسلم أو نزع السلاح من حزب الله، أكد أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم حق الحزب واللبنانيين في قول "لا" لأمريكا و"لا" لـ"إسرائيل". واتهم الشيخ قاسم واشنطن و"تل أبيب" بمحاولة استغلال الظرف الراهن لفرض واقع جديد في لبنان والمنطقة يخدم مصالحهما.
عكست كلمات الشيخ قاسم استيعاب قيادة المقاومة الإسلامية للمطامع الأمريكية والإسرائيلية من مثل هكذا توجه. وقد حاول قاسم مواجهة أمريكا و"إسرائيل" باختبار إثبات المصداقية، فأوجز رد الحزب في السادس من يوليو الماضي بالقول: على "إسرائيل" الالتزام الكامل بالهدنة أولًا – الانسحاب من الأراضي المحتلة، ووقف العدوان بكل أشكاله، والإفراج عن الأسرى – وعندئذ فقط يُمكن الانتقال إلى "المرحلة الثانية" وهي بحث استراتيجية الدفاع الوطني، بما فيها "سلاح المقاومة". وحينها أكد أيضا أمين عام حزب الله عدم الاستسلام وإلقاء السلاح "استجابة لتهديدات إسرائيل". إلا أن واشنطن نأت بنفسها عن تقديم أي التزام أو ضمان، فيما العدو الإسرائيلي كشف نواياه مبكرا، بمعارضته أي ربط مسبق بين التزامها وقيام حزب الله بخطوات أولاً.
في كلمة خلال حفل تأبين نظمه الحزب بمناسبة مرور 40 يوما على اغتيال اللواء محمد سعيد إيزدي (الحاج رمضان) قائد ملف فلسطين، أكد أمين حزب الله أن "أي جدول زمني يُعرض لينفَّذ تحت سقف العدوان الإسرائيلي لا يمكن أن نوافق عليه"، مطالبا الدولة بأن "تضع خططا لمواجهة الضغط والتهديد وتأمين الحماية" لا أن "تجرّد مقاومتها من قدرتها وقوتها".
وبينما طالبت الرئاسة اللبنانية بالانسحاب الإسرائيلي أولا، أظهرت جولات المدعو الأمريكي "براك" ومضامينها تبني واشنطن المطلق لرؤية الكيان، وهو ما انعكس بالضغط على بيروت، وأوضح المدعو "براك' للمسؤولين اللبنانيين أن بلاده لن تستمر في إرسال مبعوثيها أو الضغط على "إسرائيل" لوقف هجماتها ما لم تتخذ الحكومة اللبنانية قراراً علنياً سريعاً بالالتزام بنزع السلاح.
ما هو أكثر من ذلك كشف عنه تقرير لوكالة رويترز بتاريخ 29 يوليو، ذكر أن واشنطن اشترطت صدور قرار رسمي عن مجلس الوزراء اللبناني يتعهد بنزع سلاح حزب الله قبل استئناف أي مفاوضات أو جهود أمريكية إضافية. وهو ما يظهر بأن الولايات المتحدة قد جعلت نفسها طرفا ممثلا للجانب الإسرائيلي وليس وسيطا، فضلا عن المنطق الاستعلائي في فرض رغبة الكيان، يكشف عن ذلك حديث "براك" لرئيس وزراء لبنان، بصراحة وقحة بأن واشنطن "لا تستطيع إجبار إسرائيل على القيام بأي شيء ما لم تلتزم بيروت"، ما يؤكد أن الموقف المواجه لبيروت هو أمريكي في الدرجة الأولى.
وترى بعض التحليلات أن "ما تمارسه الولايات المتحدة اليوم ليس مجرد تدخل سياسي، بل هو عدوان واضح يتجاوز الأعراف الدبلوماسية، ويستهدف صلب القرار السيادي اللبناني".