موقع أنصار الله . تقارير | يحيى الشامي
أكثر منه تعاطفاً أو تضامناً شعبياً وجماهيرياً بإمكان المقاطعة أن تُحوّل الموقف الشعبي الغاضب الى سلاح فتّاك بالغ التأثير والضرر، وأداة ضغط اقتصادي شرسة وعقوبة شعبية ارتجالية تفرضها الجماهير الغاضبة حول العالم، في سياق ردّها المباشر على جرائم الإبادة المستمرة التي يرتكبها كيان العدو في غزة وتدخل اليوم عامها الثالث، فالإفصاحات المالية المتتالية للشركات الكبرى تؤكد أن المستهلكين حول العالم حولوا بالفعل غضبهم إلى خسائر مالية موثقة ومؤلمة، ما يثبت فاعلية هذا الحراك الجماعي الصامت في قطع شريان التمويل عن آلة الحرب الإسرائيلية.
هذا التقرير الصحفي المحدَّث يرصد ويحلل الأرقام والبيانات الصادرة عن الشركات المتضررة حتى الربع الثالث من عام 2025، ليقدم صورة واضحة ومفصلة للثمن الباهظ الذي تجنيه الشركات الداعمة للاحتلال.
في تحول لافت يعكس البعد الاقتصادي الحقيقي للمقاطعة، تشير التقارير إلى أن الخسائر الإجمالية التي تكبدتها الشركات الأمريكية والغربية المستهدفة بلغت نحو 11 مليار دولار من قيمتها السوقية في مدة وجيزة، هذه الخسائر تمثل -من زاوية توعوية- شهادة رسمية على إدراك الشركات لـ"خطورة الحملة على استقرارها المالي وسمعتها التجارية"، ما دفعها لتبني استراتيجيات تسويقية وإعلانية مكثفة لمواجهة الأثر المتصاعد.
الضغط لم يقتصر على المقاطعة الاستهلاكية للسلع فحسب، بل امتد إلى سحب الاستثمارات من كيان العدو نفسه، حيث قام صندوق الثروة السيادي النرويجي بسحب استثماراته من 23 شركة إسرائيلية ودولية لارتباطها بكيان العدو، كما باعت شركة التأمين الفرنسية "أكسا" أسهمها في ثلاثة بنوك إسرائيلية، وتخارج أكبر صندوق تقاعد نرويجي من شركات تورطت في تزويد حكومة العدو بالأسلحة، وهي تحركات مؤسسية كبرى تؤكد أن الارتباط بكيان العدو أصبح يمثل "وصمة عار" اقتصادية، وعقبة أخلاقية أمام المستثمرين.
كشفت الإفصاحات المالية للشركات العالمية عن ارتداد موجع للغضب الشعبي، خاصة في أسواق الشرق الأوسط وآسيا، ما وضع هذه العلامات التجارية في مواجهة تحدّيات لم تكن في حسبانها:
شركة ماكدونالدز تفقد أسواقها الرئيسية، حيث سجلت السلسلة أول تراجع فصلي في مبيعاتها منذ 4 سنوات، بعد إعلانها تقديم وجبات لجنود العدو، وقد انخفضت مبيعاتها في الأسواق التي تعمل بترخيص (تشمل الشرق الأوسط) بنسبة 35%، وعلى المستوى العالمي انخفضت المبيعات بنسبة 1% في الربع الأول 2025، والأكثر إيلاماً كان اضطرار الشركة إلى إعادة شراء جميع فروعها في كيان العدو بعد تراجع مبيعاتها بشكل حاد.
ستاربكس هي الأخرى تأتي في الدرجة الثانية، حيث تتكبد خسائر بمليارات الدولارات ضمن ضربة المقاطعة التي اكتسحت سلسلة المقاهي، وأدخلتها في خسائر سوقية تجاوزت 12 مليار دولار خلال 20 يوماً فقط في ديسمبر 2023، وقد انخفضت مبيعاتها في الأسواق الدولية بنسبة 9%، وتراجع ربح الشركة لكل سهم بنسبة 25% وفي ماليزيا، ارتفعت الخسائر الصافية للشركة المشغلة لامتياز ستاربكس إلى 69 مليون دولار للسنة المالية المنتهية في يونيو 2025، ما أكد أن المشاعر المتزايدة المرتبطة بالإبادة التي يرتكبها الصهاينة في غزة أثرت على أنماط إنفاق العملاء.
أمريكانا (مشغل كنتاكي وبيتزا هت) تخسر نصف أرباحها، فقد انخفض صافي أرباح شركة أمريكانا للمطاعم، المشغل الأكبر لمطاعم كنتاكي وبيتزا هت في المنطقة، بنحو النصف خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، حيث بلغ 174 مليون دولار، مشيرة إلى تأثرها بـ"الوضع الجيوسياسي"، كما أعلنت الشركة الأم "يام براندز" عن الانسحاب من السوق التركية، في خطوة فسرها مراقبون على أنها هروب من أثر المقاطعة المتصاعد.
أمّا "كارفور" فقد اضطرت للإغلاق وتغيير الاسم، حيث أعلنت الشركة عن إنهاء أعمال العلامة التجارية الفرنسية بالكامل في البحرين والكويت، بعد ضغط شعبي واسع وفي الأردن، أغلقت كارفور جميع فروعها (51 فرعاً) في نوفمبر 2024، بعدما شهدت مبيعاتها انخفاضاً حاداً تجاوزت نسبته 80% منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، كما اضطرت إلى إعادة افتتاحها تحت اسم جديد هو "هايبر ماكس" بدلاً من العلامة الفرنسية.
كذلك شركة دومينوز بيتزا دخلت في مأزق بعد أن تكبدت أول خسارة سنوية لها منذ عقود، بلغت 24 مليون دولار أمريكي في يونيو 2025، نتيجة إغلاق متاجر عدة في آسيا تحت ضغط المقاطعة.
لم يسلم قطاع المشروبات والأغذية من العاصفة، حيث أظهرت النتائج المالية تراجعاً واضحاً للعمالقة العالميين:
تراجع كوكاكولا بنسبة 14%: انخفض الدخل التشغيلي لشركة كوكاكولا في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا بنسبة 14% ليصل إلى 977 مليون دولار في الربع الثالث من العام الماضي، في مؤشر واضح على تأثير المقاطعة في المنطقة.
انخفاض إيرادات بيبسيكو: تراجعت إيرادات شركة بيبسيكو من الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا بنسبة 4% في الربع الثالث، وانخفضت الأرباح التشغيلية المحققة من هذه المناطق إلى 197 مليون دولار.
نستله تؤكد تأثرها: انخفض نمو مبيعات شركة نستله، المالكة لعلامات شهيرة مثل "نسكافيه" و"كيت كات"، وفق مؤشر النمو الداخلي الفعلي من 22% إلى 13% في الربع الثالث 2024، وأكدت الشركة أن المقاطعة أصبحت هدفاً مركزياً لها.
شملت المقاطعة قطاعات أعمق، مثل التقنية والخدمات المالية، ما ألحق ضرراً مباشراً وغير مباشر بـاقتصاد العدو:
إنتل تعلق مشروعاً بـ 25 مليار دولار: أعلنت شركة إنتل عن تعليق مشروع ضخم لبناء مصنع بقيمة 25 مليار دولار في كريات جات الإسرائيلية، وهو ما اعتُبر "أكبر انتصار" لحركة المقاطعة، كما قدرت خسائرها السنوية في أسواق المنطقة بنحو 200 مليون دولار.
انسحاب من السندات الإسرائيلية:
تخلى بنك باركليز البريطاني عن رعاية عدد من الفعاليات، ويدرس وقف بيع السندات الحكومية الإسرائيلية، وخرج من قائمة أكبر 5 متعاملين في هذه السندات خلال الربعين الثاني والثالث من عام 2024.
تضرر السياحة الإسرائيلية:
الأثر المالي للمقاطعة طال كيان العدو مباشرة، حيث تراجعت السياحة الوافدة إليه بنحو 70% خلال عام 2024، وانخفضت من 3 ملايين سائح في 2023 إلى 952 ألف سائح في 2024.
لقد تجاوزت المقاطعة كونها ردة فعل مؤقتة لتتحول إلى "نمط حياة" وقناعة لدى المستهلكين، كما في الأردن وسلطنة عُمان، هذا الحراك الشعبي أثمر عن تمكين الشركات والبدائل المحلية وزيادة مبيعاتها، مؤكداً أن قوة المستهلك قادرة على جباية ثمن سياسي واقتصادي من كل من يتواطأ في دعم آلة حرب كيان العدو.