موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الشامي

كل ما يجري من اعتداءات الصهاينة بحق المسجد الأقصى المبارك يجب أن يُصنّف بالخطير، لكن الأخطر منه هو الصمت الذي يُغذّيه ويشجّع الصهاينة على الجرأة أكثر على مقدسات المسلمين ورموزهم، في امتحانٍ للغيرة الدينية والمسؤولية الإيمانية التي من الواضح أنها تشهد حالة موات غير عادي وغير مسبوقة. فكل ما جرى ويحدث في القدس في العامين الأخيرين - أو حتى في واحد من أيامها المليئة بالاعتداءات والانتهاكات - كان كفيلاً، لو كنا بغير هذا الزمن السيء، أن يُخرج آلاف المسلمين إلى الشوارع، وأن تثور ثائرة المسلمين من المشرق إلى المغرب. لكن المؤسف أن ما يقوم به اليهود اليوم ينبني على اطمئنانٍ صارخ إلى "لا ردّة فعل المسلمين"، بل إلى استسلامٍ شبه كامل للمشيئة الصهيونية، بلا قلق من العرب ولا خشية من أكثر من ملياري مسلم!

في الساعات الماضية، شنّت قوات العدو الإسرائيلي وجماعات المغتصبين، بقيادة من يُسمّى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، حملة اقتحامات جماعية للمسجد الأقصى المبارك خلال ما يُسمّى "عيد المظلة" (السُكّوت) لعام 2025، بلغت ذروتها باقتحام أكثر من 1300 مغتصب يهودي في يوم واحد، وفق دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، وبحسب مصادر فلسطينية، فقد ارتفع إجمالي عدد المقتحمين منذ صباح أول أيام العيد إلى 3023 مغتصبًا، يقودهم بن غفير شخصيًّا، في مشهدٍ وُصف بأنه "استعراض قوة استفزازي" يهدف إلى فرض تقسيم زماني ومكاني للمسجد.

وأفادت محافظة القدس أن شرطة العدو أعلنت مسبقًا عن السماح باقتحام 6 مجموعات من المغتصبين دفعة واحدة كل 10 دقائق، في خطوة تُسهّل تجمّع المئات داخل باحات الأقصى بشكل متواصل، مع منع حراس المسجد العرب من التواجد في مسار الاقتحامات. وبحسب إحصائيات ميدانية، فقد بلغ إجمالي عدد المغتصبين منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى اليوم 125 ألفًا و711 مغتصبًا، في مؤشر صارخ على تصاعد مشروع التهويد.

شهادات أهالي القدس: "الصمت لم يعد خيارًا... بل فرضٌ"

شهود عيان من أهالي القدس أفادوا أن واقع المسجد الأقصى المبارك شهد تحوّلًا دراماتيكيًّا منذ اندلاع الحرب على غزة، لا يقتصر على تكثيف الاقتحامات، بل يمتد إلى تغيير سلوك المصلين أنفسهم، الذين باتوا يُجبرون على الصمت تحت وطأة الترهيب والاعتقالات اليومية.

أحد سكان المدينة القادم من قرية كفر برا في الداخل المحتل، والذي يواظب على زيارة الأقصى أسبوعيًّا يروي:  قبل الحرب، كنا نرى مائة مغتصب يقتحمون الأقصى، فتثور ثائرة المصلين. أما اليوم، فيقتحمه الآلاف ولا نسمع صوتًا. هذا الصمت ليس اختيارًا، بل فرضٌ قسري"، ويضيف: لم نعد نجادل عناصر شرطة العدو عند الأبواب إذا مُنعنا من الدخول. هذا لم يكن معتادًا قبل الحرب. كنا نتحدى، نناقش، نصرخ أحيانًا. أما اليوم، فالعربدة على الأبواب وسياسة بن غفير المتمثلة في 'صفر تسامح' جعلت أي اعتراض مغامرة قد تكلّفك الإبعاد أو الاعتقال"، وأشار إلى مشهد رصده بنفسه: 

كنتُ أجرّ عربة طفلي قرب باب المطهرة، فاعترض عليّ شرطي لأن العربة 'تُصدر إزعاجًا'، ولأن 'المغتصبين يجب أن يمروا من المكان دون وجودنا'، هذا لم يحدث قط قبل الحرب".

كما المواطن المقدسي تحوّلًا في سلوك شرطة العدو تجاه المغتصبين: 

لم نكن نرى شرطيًّا يحتضن من يؤدون الصلوات التلمودية في الأقصى، أما الآن، فنرى التضامن الواضح، بل والحماية الصريحة، حتى شرب المغتصبين للماء من سبيل قايتباي قبل خروجهم بات انتهاكًا يوميًّا لم نكن نشهده من قبل".

المصلون: "جئنا للعبادة"... جملة تُستخدم لإسكات الاحتجاج

من جهتها، أكدت إحدى مرتادات المسجد الأقصى من سكان البلدة القديمة، أن تعامل المصلين مع الأقصى تحوّل بعد اندلاع الحرب إلى "ممارسة شكلية"، قائلة: 

التعامل مع الأقصى بعد اندلاع الحرب بات وكأنه مجرد مكان لأداء الصلاة فقط، هذا مؤشر خطير، حتى وإن لم يقصده المصلون"، وأضافت: خذ رمضان كمثال: آلاف المصلين يؤدون الصلوات ثم يغادرون دون أن يعترض أحد على جنود العدو الذين يتجولون بين صفوف النساء في صلوات التراويح، حدث كهذا كان ليُشعل مناوشات أو صراخًا قبل الحرب".

وأشارت إلى أن خطابًا دينيًّا جديدًا بات يُستخدم لتبرير الصمت: 

سمعنا شخصيات ومسؤولين يرددون: 'جئنا هنا للعبادة'. طبعًا نحن جئنا للعبادة، لكن تلك الجملة يُراد بها إسكات أي صوت يعترض على القمع، بحجة 'حماية الأطفال والنساء' نحن بذلك نساهم طواعية في تمرير سياسات التهويد بكل صمت".

وتساءلت : إذا كان هذا هو الوضع في أهم موسم للمسلمين في الأقصى، فما بالك بالوضع في أعياد اليهود؟ لا شك أن سياسة الترهيب والإبعاد، والخضوع الذي قابلنا به، سيؤديان إلى موسم اقتحامات شرس، وفجور في إظهار الطقوس اليهودية".

المبعدون: "الصلاة عند أقرب نقطة... والقمع في كل زاوية"

أما المبعدون عن الأقصى بأوامر إدارية تعسفية، فهم يعيشون واقعًا أكثر يروي أحد المبعدين الذين يصرّون على التواجد يوميًّا في محيط المسجد: 

أذهب كل يوم إلى البلدة القديمة لأصلي في أقرب نقطة من إمام الأقصى، رغم القمع، أرفض أن أُبعد روحي عن مسجدي".

وأوضح أن جنود العدو ينصبون سواتر حديدية خلال الأعياد اليهودية لإعاقة وصول المصلين من الداخل الفلسطيني، ويطردونهم خارج السور التاريخي دون أي مبرر سوى كونهم فلسطينيين، وأضاف: المغتصبون بعد اندلاع الحرب لم يعودوا يكتفون باقتحام المسجد من الداخل، بل يصرون بعد الخروج على التنقّل بين أبوابه من الخارج – كباب السلسلة والقطانين والملك فيصل والأسباط – لأداء صلواتهم"، ووصفت مشهدًا يتكرر يوميًّا: 

ترى نساءً ورجالًا يُمنعون عشوائيًّا من الدخول لأداء صلاة الجمعة، ويُطردون إذا حاولوا الصلاة في 'طريق المجاهدين' والأخطر أن شرطة العدو لم تعد تطلب أمر إبعاد مكتوبًا، الإبعاد الآن شفهي، وفق مزاج الشرطي".

إدانات قليلة وخجولة

أقل من مستى الجريمة والجرم المستمر والتغوّل لا يبدة أن أحداً من العرب والمسلمين يكترثون لما يقوم به الصهاينة في القدس، قليلو الإدانات ولاترقى لمستوى الجرم والاعتداءات شبه اليومية: فقد أدانت وزارة الخارجية الأردنية اقتحام بن غفير، ووصفتَه بأنه "خرق فاضح للقانونين الدولي والإنساني"، مشدّدة على أن "المسجد الأقصى المبارك بكامل مساحته البالغة 144 دونمًا هو مكان عبادة خالص للمسلمين".

كما حذّر خطيب المسجد الأقصى المبارك الشيخ عكرمة صبري من أن "العدو يستغل الأعياد للانقضاض على الأقصى"، مؤكدًا أن "ما يقوم به الصهاينة لن يكسبهم أي حق فيه"، وأن "الحق الشرعي قرره الله من سبع سماوات".

بدورها، وصفت حركة حماس الاقتحام بأنه "رسالة عدوانية تسعى إلى تكريس واقع التقسيم الزماني والمكاني"، مؤكدة أن "القدس والمسجد الأقصى المبارك خط أحمر"، وأن "الشعب الفلسطيني سيبقى متمسكًا بمقدساته ومدافعًا عنها بكل الوسائل المشروعة".

ما يشهدهُ الأقصى اليوم ليس مجرد سلسلة انتهاكات أو اعتدءات تقودها النزوات، بل تأتي في سياق مشروع تهويدي متكامل يُنفَّذ تحت سمع وبصر العالم، والشهادات الحية لأهالي القدس أكثر من روايات شخصية، هي وثائق ميدانية على واقع التضييق وحقائق القمع اليومية التي يمارسها ويفرضها العدو بدعمٍ من أعلى المستويات السياسية في الكيان الصهيوني، وبل ومشاركة واضحة وصريحة من قادة الولايات المتحدة الأمريكية الذين تجمعهم الصهيونية وتدفعهم للانخراط في حماية ودعم الصهيونية بدون قيود وبلا شروط.