موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الربيعي
في ظل مشهد تراجيدي يعيشه اليمنيون في المحافظات الواقعة تحت وطأة الاحتلال السعو-إماراتي، حيث يفتك الانهيار الاقتصادي بالمواطن وتتحول العملة الوطنية إلى أوراق عديمة القيمة، تدور في الكواليس المظلمة للمناطق الساحلية لعبةُ قذرة، يتسابق فيها "أمراء الحرب" لتقديم البلاد قرباناً على مذبح المصالح الأمريكية والإسرائيلية. فبينما يغرق المواطن في عدن وتعز ومأرب وحضرموت وباقي المناطق المحتلة في مستنقع انعدام الخدمات والغلاء الفاحش والبطالة، ينشغل المرتزقان "طارق عفاش" و"عيدروس الزبيدي" و"مليشيا حزب الخيانة والعمالة الإصلاح" بتدشين مرحلة جديدة من "الارتهان المطلق" للخارج، محولين السواحل اليمنية من شريان حياة إلى ثكنات عسكرية متقدمة يديرها ضباط من الـ"سي آي إيه" والعدو الإسرائيلي.
وفي ما يتعلق بتنامي الاهتمام الإسرائيلي المُلح بالمليشيات اليمنية التي أنشأتها الإمارات في إطار تنسيق متصاعد بين أبوظبي والكيان الإسرائيلي الهادف إلى التأثير على موازين القوى في اليمن ومحيط باب المندب وخليج عدن، فنشير إلى التقرير الذي أعده الباحث “جورجيو كافيرو” لمعهد الأبحاث الأمريكي “المركز العربي واشنطن دي.سي –Arab Center for Washington D.C” والذي يكشف معطيات تفصيلية حول الاتصالات السياسية والأمنية بين الأطراف والوجود الإسرائيلي في مناطق استراتيجية يمنية، وتأثير ذلك على التوترات الإقليمية وخطوط الملاحة الحيوية في البحر الأحمر وخليج عدن.
في صيغة تأكيد صارم يشدد المركز على أن المرتزق طارق عفاش ومليشيات الانتقالي يسعيان -بشكل متزايد- إلى فتح قنوات تواصل “مباشرة” مع "إسرائيل"، مستندًا في ذلك إلى تصريحات سابقة لرئيس "المجلس الانتقالي" المرتزق “عيدروس الزبيدي” خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي أبدى فيها انفتاحًا على التطبيع مع الكيان الإسرائيلي في حال “قيام دولة جنوبية مستقلة”، ومغازلات المرتزق “طارق صالح” لـ"إسرائيل" وأمريكا طوال فترة الإسناد اليمني لغزّة وحتى اليوم.
يسلط تقرير المركز الضوءَ على حقيقة وجود تعاون بين أبوظبي و"إسرائيل" على مدى السنوات الماضية لإنشاء منشآت عسكرية وتجسسية في الجزر اليمنية وأرخبيل سقطرى، مشيرًا إلى نقل ضباط وجنود إسرائيليين إلى الجزيرة، ومشاركتهم في مناورات بحرية ضمت قوات إماراتية وأمريكية وبحرينية وإسرائيلية. كما يرى التقرير أن هذا التعاون عزز قدرة "إسرائيل" على مراقبة الأنشطة البحرية في بحر العرب وخليج عدن، خصوصًا بعد العمليات التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية دعمًا لغزة منذ نوفمبر 2023.

قبل أيام أقدم وزير شؤون الشرق الأوسط بالحكومة البريطانية هاميش فالكونر، على زيارة عدن المحتلة لحشد مليشيات المرتزقة في التحالف الغربي البحري الهادف إلى تحجيم القدرات العسكرية اليمنية، بعد أن تمكن الجيش اليمني من فرض الحظر الكامل على الملاحة الإسرائيلية.
في هذا السياق، كشفت صحيفة ذا ناشيونال أن بريطانيا جددت تعهدات سابقة لم تنفذها بدعم الحكومة الموالية لتحالف العدوان بزوارق بحرية وملايين الدولارات أملاً في تشكيل خط دفاع محلي يتصدر مشهد المواجهة مع القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، حيث أكد الوزير البريطاني -أثناء زيارته إلى عدن المحتلة- أهمية تعزيز الأمن البحري لمواجهة تهديدات من أسماهم بـ"الحوثيين".
وقال "فالكونر" -أثناء زيارة أحد مراكز خفر السواحل في عدن- إن "المساعدة البريطانية ستسهم في توفير حماية أكبر لأحد أهم الممرات الملاحية الدولية، وستساعد في ضمان حرية الملاحة في خليج عدن والبحر الأحمر" بحسب تعبيره، وأضاف أن بلاده ستدعم خفر السواحل التابع لحكومة المرتزقة بأربعة ملايين دولار لشراء زوارق بحرية حديثة ستسهم في ما قال إنه "تأمين جزئي للملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن".

في أواخر سبتمبر الماضي ذكرت صحيفة 26 سبتمبر أن كيان العدو الإسرائيلي قام بإنشاء منظومات رادارية وإنذار مبكر في جزيرة زقر اليمنية المطلة على جنوب البحر الأحمر، وذلك بدعم مباشر من الإمارات.
وأوضحت الصحيفة أن أبوظبي استحدثت -خلال العامين الماضيين- منشآت عسكرية متعددة في الجزيرة شملت معسكراً لقواتها ومعسكراً تدريبياً للمرتزق طارق عفاش و"المجلس الانتقالي" الموالي لها، إلى جانب رصيف بحري بطول 185 متراً، ورادار بحري متطور ومنظومة دفاع جوي، فضلاً عن مهابط لمروحيات هليكوبتر.
وبحسب الصحيفة فقد بدأ العدو الإسرائيلي في استخدام هذه المنشآت كقاعدة متقدمة للمراقبة والإنذار المبكر ضد الجيش اليمني بصنعاء، حيث أنشأ مركزاً متخصصاً لرصد عمليات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة من اليمن باتجاه الأراضي المحتلة، ولمتابعة التحركات العسكرية في البحر الأحمر المرتبطة بمعركة إسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته.
كما كشفت الصحيفة أن الاحتلال الإماراتي أنجز -مؤخراً- مدرجاً للطائرات في جنوب شرق جزيرة زقر يبلغ طوله 2.1 كيلومتر، بدأ العمل فيه في مارس الماضي، وهو معد لاستقبال طائرات شحن ونقل عسكرية كبيرة، ويُعتقد أنه سيستخدم من قبل كيان العدو كنقطة انطلاق لتنفيذ هجمات مستقبلية ضد اليمن.

لم تعد المعلومات ضرباً من التكهنات، بل باتت وقائع ملموسة تؤكدها التحركات الميدانية؛ إذ تشير المعطيات إلى تحول مدينتي المخا وعدن إلى مراكز تدريب مغلقة، تستقبل ضباطاً أمريكيين وخبراء عسكريين من الكيان الإسرائيلي، مهمتهم إعادة هندسة التشكيلات المسلحة المحلية، ورفع جاهزية مليشيات طارق عفاش ومليشيات "الانتقالي" لتكون وقوداً لحرب محتملة تسعى واشنطن لإشعالها بعد فشل عدوانها الجوي الذي انطلق بزخم أكبر منذ منتصف مارس 2025 لمحاولة إيقاف الإسناد اليمني لغزة. هذا التنسيق، الذي كشفت عنه حتى وسائل إعلام عبرية، يضع المرتزق طارق عفاش في رأس حربة المشروع الصهيو-أمريكي، حيث لا يكتفي الرجل بفتح معسكراته، وإنما يمارس دور "المنسق الأمني" الذي يضمن أمن الكيان عبر البوابة اليمنية.
وفي سياق هذه الهرولة نحو التطبيع العسكري، جاءت تحركات العميل طارق عفاش الأخيرة لتزيل أي لبس؛ فبعد لقاء وُصف بـ"الحاسم" مع السفير الأمريكي ستيفن فاجن، واتفاقات "التحالف العسكري الجديد" التي مهد لها منتحل منصب ما يسمى برئيس الأركان صغير بن عزيز في واشنطن، سارع عفاش لترجمة التعليمات الأمريكية على الأرض. وقد تجلى ذلك في اجتماعه بسفير جيبوتي في الرياض، ضياء الدين بامخرمة، تحت غطاء "حماية الملاحة"، وهو في جوهره تنسيق لوجستي يربط الضفة اليمنية بشبكة الرصد الأمريكية في القرن الأفريقي.
ولم يتوقف الأمر هنا، بل حصل عفاش على "الضوء الأخضر" العملياتي من قيادة تحالف العدوان ممثلة بوفد عسكري سعودي رفيع زار المخا برئاسة العميد حسين الحربي، لتدشين مهام "حراسة البحر" رسمياً، متجاوزاً بذلك حتى حلفاءه في "المجلس الانتقالي"، وفارضاً إجراءات تفتيش مهينة للصيادين اليمنيين، ونشر منظومات دفاعية أمريكية، ليثبت لواشنطن أنه "الوكيل الحصري" المؤهل لحماية مصالحها.
وبينما تُنفَق الملايين على عسكرة البحر وشراء الولاءات، يعيش المواطن في المناطق المحتلة جحيماً لا يطاق. فالانهيار المتسارع للعملة وارتفاع الأسعار الجنوني لم يكن محض صدفة، وإنما نتيجة سياسات ممنهجة لأدوات الاحتلال التي انشغلت بنهب الثروات والموارد.
هذا التباين الصارخ بين ثراء القادة "المرتزقة" وبؤس الشعب خَلَقَ حالة من الغليان الشعبي، تجلت بوضوح في انتفاضة قبائل الساحل الغربي بتعز، التي خرجت ترفض سياسة الإقصاء والنهب التي تمارسها مليشيات المدعو طارق عفاش التابعة للاحتلال الاماراتي.
القراءة الفاحصة لمجمل هذه التحركات، من التدريب الأمريكي في عدن والمخا إلى الاجتماعات التنسيقية في الرياض وجيبوتي وصولاً إلى محاولات خنق صنعاء اقتصادياً، تشير بوضوح إلى أن واشنطن و"تل أبيب" -بعد يأسهما من الحسم للمعركة ضد صنعاء- تتجهان نحو خيار "الحرب البرية بالوكالة"، في مخطط يعتمد على وقود يمني خالص، يقوده العميلان طارق عفاش وعيدروس الزبيدي، بهدف إشغال القوات اليمنية بصراعات داخلية دموية، وصرف أنظارها عن المعركة المركزية في فلسطين، في مغامرة محفوفة بالمخاطر قد تحرق ما تبقى من استقرار في دول العدوان.
لا يمكن قراءة هذا السعار العسكري المحموم في الساحل الغربي، أو فهم خيوط المؤامرة التي تُحاك بأدوات محلية في عدن والمخا، بمعزل عن الزلزال الجيوسياسي الذي أحدثته صنعاء في المنطقة منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى". فما يجري ليس مجرد صراع داخلي على النفوذ، بل هو عقاب جماعي وتآمر دولي تقوده واشنطن و"تل أبيب" ضد اليمن، عقاباً له على موقفه الإنساني والأخلاقي والديني الذي شذّ عن قاعدة الخذلان العربي، وقرر الانخراط المباشر والفاعل في نصرة الشعب الفلسطيني ومظلومية غزة.
لقد شكل إعلان اليمن انطلاق معركة "الفتح الموعود والجهاد المقدس" نقطة تحول استراتيجية أرقت مضاجع الكيان الصهيوني وداعميه في البيت الأبيض؛ إذ لم تكتفِ القيادة في صنعاء ببيانات الشجب والإدانة المعتادة، بل ترجمت موقفها الديني والعروبي إلى صواريخ باليستية ومسيرات دكت كامل عمق العدو، وإلى حصار بحري خانق فرض معادلة جديدة في البحر الأحمر، مانعاً سفن العدو من العبور، وهو ما اعتبرته دوائر القرار في واشنطن و"تل أبيب" "تهديداً وجودياً" يتجاوز الجغرافيا اليمنية ليضرب عمق المشروع الاستعماري في المنطقة.
إن عمق الحقد الصهيو-أمريكي على اليمن نابع من هذا الخروج الجريء عن بيت الطاعة الأمريكي؛ فصنعاء -ورغم جراح سنوات العدوان والحصار- اختارت أن تضع مصالح الأمة المركزية فوق جراحها الخاصة، رابطة مصيرها بمصير القدس. هذا الموقف المبدئي هو الذي دفع واشنطن إلى استنفار أدواتها الرخيصة في الداخل اليمني، وتحريك بيادقها من المرتزقة بقيادة طارق عفاش وعيدروس الزبيدي، في محاولة يائسة لإشغال الجيش اليمني بمعارك جانبية، واستنزاف قدراته التي سُخرت لضرب عمق الكيان.
وبالتالي، فإن المؤامرة التي نشهد فصولها اليوم، من تدمير للاقتصاد، وحرب عملة، وتحشيد عسكري في الساحل، ليست سوى رد فعل انتقامي هستيري تجاه "اليمن الحر" الذي رفض المساومة على فلسطين. إنهم يسعون -عبر إعادة تدوير أدواتهم المحلية وتدريبها على أيدي ضباط "الموساد" والـ"سي آي إيه"- إلى كسر الإرادة اليمنية التي تجرأت على إغلاق باب المندب في وجه الإمداد الصهيوني، محاولين عبثاً تدفيع الشعب اليمني ثمن قراره التاريخي بالانحياز للحق الفلسطيني، وهو ثمنٌ قد استعدَّ اليمنيون بقيادتهم الثورية لدفعه عن طيب خاطر، في سبيل قضية الأمة المقدسة.